IMLebanon

إنفجار بيروت كصرخة استغاثة

 

 

يُشبه انفجار بيروت قصف هيروشيما وضربة ناغازاكي، ويقترب من كارثة تشيرنوبيل، لكن فيه إضافة مختلفة. فالنور الأبيض والأحمر الساطع فوق شرق المتوسّط أقرب الى أن يكون صرخة استغاثة ركّاب باخرة تغرق، في تفجّره وألوانه، وفي انطلاقه نحو السماء وانتشاره على الأرض، من قبرص الى عمّان!

 

ويأخذنا التشبيه الى القول إنّ شعباً بأكمله يُبحر في سفينة نخرها الفساد وتحكمها الميليشيا، سُلِبَتْ إرادته وأمواله ومقوّمات عيشه، وفقد الأمل بمن يسمّون ربابنة وبحارة، يغرق من دون أمل بخشبة خلاص، وسفينته فوق ذلك مُحمّلة بالمتفجّرات المُعدّة خصيصاً له، وها هي تنفجر به… ليرى في انفجارها طلقة الإستغاثة الأخيرة.

 

وعندما تُطلق السفينة الغارقة خرطوشتها الأخيرة الملوّنة، تكون قد فقدت أي أمل بإنقاذ نفسها. هي باتت بحاجة الى من يُنقذها من البحر الذي يُغرقُها ويعيدها الى بر الأمان. واللبنانيون في لحظة الإنفجار (ومعهم كل مُقيم على أرضهم)، لحظوا أنّ ما جرى يفوق أخطر كوابيسهم. فهم عاشوا وماتوا في كلّ الحروب المُتتالية منذ السبعينات، لكنّ انفجار المرفأ الملغوم أنساهم تفاصيل لحظات الموت الأخرى، اذ لم يحصل مثله في حروب زواريبهم، ولا في حروب الردع السورية، ولا في الإجتياحات الإسرائيلية المُدمّرة… أمّا قصف السيّئة الذكر البارجة “نيوجرسي”، فكان لعبة أولاد، مُقارنةً بالهزّة الأرضية التي ضربت بيروت الكبرى وأهلها.

 

قد تكون اسرائيل مسؤولة عن التفجير، وهي هدّدت وحذّرت صراحةً من أنّ المرفأ بات مرفأً لسلاح وذخيرة “حزب الله”، وقبل سنة (أواخر تموز 2019) أبلغت مجلس الأمن بادّعاءاتها، وزادت عليها اتهامات وخرائط لمواقع الصواريخ المزعومة في محيط المطار وأماكن أخرى… لكنّ اسرائيل نفت، واستندت في نفيها الى تصريحات المسؤولين اللبنانيين الذين سارعوا الى تقديم الشروحات عن تخزينهم مواد متفجّرة منذ سنوات، وجدت من الملائم أن تنفجر في السادسة من مساء الرابع من آب 2020!

 

في الحالتين، تبدو مسؤولية قوى السلطة ساطعة كسطوع الإنفجار الذي تسبّبت به. فقِتال اسرائيل دفاعاً عن لبنان لا يُمكن تشغيله BOT ولا بالخصخصة، وبناء دولة مؤسسات لا يستقيم مع سياسيين ووزراء وإداريين وقضاة، يتولّون حماية تلغيم وسط بيروت على مدى سنوات، ولا يُعيرون بالاً لحياة شعبٍ بأكمله.

 

أدّى الإنفجار الى إطلاق موجة تعاطف عربية ودولية كبيرة مع “شعب لبنان”، ومن حقّ هذا الشعب أن يطلب أجوبة صحيحة عن حقيقة الجريمة الجديدة المُرتكبة بحقّه، وقد يحتاج الوصول الى هذه الحقيقة تحقيقاً دولياً مُحايداً، وقد لا يكون مثل هذا التحقيق مُتاحاً، بسبب الخلفيات المعروفة واحتمال تورّط اسرائيل… الا أنّ اللبنانيين الذين أُصيبوا دفعة واحدة في حياتهم وبيوتهم وأرزاقهم، يُفترض ألا يتوقّفوا عند مطلب الحقيقة فقط، فما بعد تفجير4 آب ليس كما قبله.