تطورات ثلاثة طرأت على ملفّ التحقيق بانفجار بيروت المجمّد منذ أكثر من سبعة أشهر، تمثل الأول في قرار الحجز الاحتياطي على أموال وممتلكات عائدة للنائبين في البرلمان اللبناني علي حسن خليل وغازي زعيتر، بفعل «مسؤوليتهما المباشرة عن عرقلة التحقيق» (وفق ادعاء مقدّم ضدّهما)، والثاني عودة مجلس القضاء الأعلى إلى النظر مجدداً بمرسوم تعيين رؤساء لمحاكم التمييز بما يعيد إطلاق يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وثالث الأخبار الذي تقدّم به واحد من أهالي ضحايا انفجار المرفأ، وضمّنه معلومات عن «مسؤولية سياسيين وقضاة وعسكريين وأمنيين للتحقيق معهم».
وشكّل القرار الذي أصدرته رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية نجاح عيتاني، وقضى بالحجز الاحتياطي على أموال وممتلكات النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، بقيمة 100 مليار ليرة (ما يوازي 3.3 مليون دولار أميركي بحسب سعر الصرف حالياً)، مفاجأة غير متوقعة في الأوساط السياسية والقضائية، خصوصاً أن القرار أعطى قوّة دفع معنوية لفريق الادعاء الذي يمثّل الضحايا وذويهم، خصوصاً أنه جاء بناء على دعوى سابقة تقدّم بها مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت، أمام المحكمة الابتدائية المدنية في بيروت لمساءلة خليل (الذي شغل منصب وزير المالية)، وزعيتر (شغل سابقاً منصب وزير الأشغال العامة والنقل)، عمّا يسمّى «التعسف في استعمال حق الدفاع والادعاء، عبر تقديمهما دعاوى لتنحية المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، والتي أدت إلى تجميد التحقيقات، وامتناعهما عن المثول أمام قاضي التحقيق، وطالبتهما بتعويضات عن هذا التعسف بقيمة 100 مليار ليرة».
وأبدت جهة الادعاء ارتياحها لهذا القرار، واعتبر عضو مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت المحامي يوسف لحّود، أن «قيمة هذا القرار معنوية». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بمجرّد أن يعطي قاضي التنفيذ الإذن بالحجز الاحتياطي، معنى ذلك أنه أخذ بأهمية الدعوى التي نشأ عنها ضرر كبير للجهة المدعية، وهي التعسّف باستعمال القانون»، مشيراً إلى أن «طبيعة القرار توحي بأن القاضي اقتنع بأن المدعى عليهما تعسّفا باستعمال الحقّ». وأثنى لحّود على «أهمية وضع إشارة الحجز على أملاك المدعى عليهما، اللذين يحقّ لهما أن يطعنا بهذا القرار أمام محكمة الاستئناف ومن ثمّ أمام محكمة التمييز».
وترفض رئيسة دائرة التنفيذ القاضية نجاح عيتاني نشر القرار، إذ لا يجوز تعميم هكذا قرار قبل إنجاز التبليغات، واستنفاد المحجوز ضدّهم كلّ وسائل الدفاع، ولفت مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «دائرة التنفيذ لم تتلقّ كلّ الأجوبة من السجل العقاري عمّا إذا نفذ الحجوزات بالكامل على عقارات المدعى عليهما». وأشار إلى أن «المحجوز عليهما (خليل وزعيتر) لم يتبلّغا أصولاً مضمون القرار ليحددا موقفهما حياله». ودعا المصدر إلى «احترام حقّ هؤلاء (خليل وزعيتر) للطعن في القرار أمام محكمة الاستئناف».
وعلى أثر إعلان هذا القرار، أصدر وكلاء الدفاع عن النائبين خليل زعيتر بياناً اعتبروا فيه أن القرار «يشكل خرقاً للمفاهيم القانونية». وقال البيان «خلافاً لما نشر في بعض وسائل الإعلام من أن دائرة التنفيذ وضعت إشارة حجز احتياطي على النائب علي حسن خليل بقيمة 100 مليار ليرة، نؤكد أن المبلغ المشار إليه هو الرقم المطالب به من قبل مكتب الادعاء في نقابة المحامين في الدعوى المقامة منه بحق النائبين زعيتر وخليل متضامنين، وليس بالقيمة العقارية للمنزل الذي تم وضع إشارة الحجز عليه». وأضاف «نحن كوكلاء للدفاع عن زعيتر وخليل سنتعاطى مع هذا القرار وفق نص القانون وسنتقدم عند تبليغنا بلائحة جوابية رداً على مزاعم ومغالطات الجهة المدعية ولرفع الحجز لأن فيه استباقا لقرار القضاء المقدم أمامه الدعوى الكيدية، ويشكل هذا الإجراء خرقاً لجملة من المفاهيم القانونية وأهمها أن الجزاء يعقل الحقوق»، معتبراً أن «تعميم هذا الأمر في وسائل الإعلام وكأنه حكم بالمبلغ المشار إليه، هو جزء من حملة التشويش والتشويه التي يقدم عليها مقدم الادعاء لأسباب سياسية باتت معروفة».
وحظي اجتماع مجلس القضاء الأعلى الذي عقد جلسة مطولة أمس، للبحث في مرسوم التشكيلات الجزئية الخاصة برؤساء محاكم التمييز، بعد استرداد هذا المرسوم من وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، بمتابعة دقيقة، وأوضح مصدر في مجلس القضاء لـ«الشرق الأوسط»، أن المجلس «مهتمّ إلى أبعد الحدود بإيجاد مخرج لتعطيل التحقيق بانفجار المرفأ». ويرفض وزير المال التوقيع على مرسوم التشكيلات الجزئي، لأنه لا يحترم التوازن والمناصفة في المراكز بين المسيحيين والمسلمين، باعتبار أن هناك ستة رؤساء لمحاكم التمييز من المسيحيين مقابل خمسة مسلمين، وكشف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، أن ثمة اقتراحا يقضي بإضافة غرفة جديدة على محاكم التمييز لتصبح 12 غرفة تقسم مناصفة، وأكد المصدر في مجلس القضاء أنه هناك «عدد من الخيارات التي يبحثها مجلس القضاء بينها هذا الاقتراح». وشدد على أن «ثمة إرادة على الوصول إلى حلّ لكن ذلك يحتاج إلى أكثر من جلسة ومزيد من النقاش والتشاور».
إلى ذلك تقدم وليم نون، شقيق جو نون الذي قضى بانفجار المرفأ، بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية، طلب بموجبه التوسّع بإجراء التحقيقات واتخاذ إجراءات عقابية، بحق عدد من قضاة كبار حاليين وسابقين، وقادة أمنيين وعسكريين، وتحديد أدوارهم في موضوع إدخال نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وإفراغها في العنبر رقم 12، وأن هذه الأفعال أدت إلى حدوث الانفجار، وطلب إجراء «تحقيقات مفصّلة مع هؤلاء وتحديد المتورطين وتوقيفهم».
وسجّل هذا الإخبار في قيود النابية العامة التمييزية، على أن يسلّم إلى المحقق العدلي طارق البيطار للنظر فيه فور استئنافه للتحقيق.