Site icon IMLebanon

يخاطرون بحياتهم مجاناً… عناصر “إطفاء بيروت”: “بدنا حقوقنا”

 

بزّاتهم تآكلت ورواتبهم عدم وآلياتهم محجوزة

 

فوج إطفاء بيروت المتخم بالجراح يعاني من صعوبات تحاصره من كل الجهات. يضحي، يقدم الشهداء ولا يتخاذل عن تلبية أي نداء استغاثة يرده من العاصمة أو من خارجها، لكنه في المقابل لا يجد سوى الغبن والإجحاف المادي كما المعنوي بحقه. بلدية بيروت – التي يتبع لها الفوج إدارياً ومالياً – معروف وضعها وما استقالة رئيسها «لأسباب صحية» إلا أوضح دليل على الحال الذي بلغته، أما محافظ بيروت مروان عبود فيقال أنه يعمل باللحم الحي لدعم فوج إطفاء بيروت وتأمين استمراريته. ماذا في تفاصيل حاضر شباب وشابات إنتموا إلى فوج الإطفاء ويلاقون الخطر المجاني؟

الحريق الكبير الذي شبّ منذ أيام في مستودع « للأقمشة « في الضاحية الجنوبية وامتد الى التعاونية العاملية واستمرّ مستعراً أياماً طوالاً، وبعده حريق مولد للكهرباء في الجناح إستتبعا السؤال عن وضع الإطفاء في لبنان ودوره. الجهود التي بذلها فوج إطفاء الضاحية لم تتمكن وحدها من السيطرة على الحريق الكبير فكان لا بد من الاستعانة بفوج إطفاء بيروت بما له من خبرة طويلة ومعرفة بهذا النوع من العمليات لحصر النيران والسيطرة عليها. من هنا كان لا بد من التقصي أكثر عن وضع هذا الفوج ومدى قدرته الحالية على الاستجابة وسط كل ما يعانيه من نقص على كل الصعد.

 

العقدة في بلدية بيروت

 

«لم نتأخر يوماً عن تلبية اي نداء أو نتراجع أمام اي خطر او نسيء التصرف أو نتردد» هذا ما يبدأ به كلامه النقيب علي نجم، رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت. لكن هذا الافتخار بدور الفوج لا يوازيه إلا الأسف على حاله، كونه مرتبطاً ببلدية بيروت ويتبع لها وكونها السلطة التشريعية التي بيدها إصدار القوانين وصرف الأموال بالنسبة إليه، أما السلطة التنفيذية فهي بيد محافظ بيروت المخول تنفيذ قرارات المجلس البلدي.

 

يقول نجم «المجلس البلدي الذي يجب أن يسعى ويجتهد لجلب الهبات وتأمين احتياجات فوج إطفاء بيروت لا يجتمع وبالتالي فإن معظم هذه الاحتياجات غير مؤمنة». إذاً، الأزمة المالية فعلت فعلها سواء بالنسبة للبلدية أو لفوج الأطفاء ويعطي النقيب مثالاً على ذلك «إحياء الذكرى الثالثة لشهداء فوج الإطفاء إثر انفجار المرفأ احتاج الى تأمين مبلغ مالي لدفع إيجار الكراسي وأنظمة الصوت والشاشات وما الى ذلك، كما إحتاج الى خمس سلفات مالية من البلدية لأن سقف السلفة التي يحق للمحافظ الحصول عليها لا يتجاوز 18 مليون ليرة فيما التكاليف فاقت ذلك بكثير، أما رواتب رجال الإطفاء والموظفين وعلى الرغم مما طرأ عليها من زيادات فأرقامها مضحكة وخدمة 28 سنة مثلاً يوازيها راتب لا يتخطى 280 دولاراً في الشهر و»باللبناني».

 

من يلبي الإحتياجات الملّحة؟

 

ما هذا سوى الجزء الظاهر من قمة جبل الجليد الذي يخفي كماً من المصاعب تحت سطح مياهه. « لا نملك بزات حريق نقتحم بها النيران» يروي نجم وإطفائيان موجودان الى جانبه ذلك ويضيفون «جاءتنا هبات من كندا بعد الانفجار لكنها كانت بزات قديمة ولم تعد تصلح». نسترق النظر الى بزة موضوعة جانباً فنجدها سوداء متآكلة يصعب تخيل كيف يمكن أن تحمي صاحبها اثناء اقتحامه النيران. نعود الى الإصغاء لهم: «سيارات الإطفاء التي نملكها قديمة، أحدثها يعود الى العام 2001، لكن الأسوأ من ذلك أننا تلقينا سيارتين هبة من فرنسا وهولندا لكنهما متوقفتان لأن لا نافعة لتسجيلهما».

 

تطول لائحة المفاجآت المؤسفة التي تكاد لا تصدق. فإحدى الرافعات التي يحتاجها بشكل ملح فوج الإطفاء وصلت في العام 2020 الى المرفأ ولم يتم إخراجها حتى الآن لأسباب جمركية وكونها لا تتوافق مع بعض المواصفات الموضوعة رغم احتياج الفوج الملح إليها. صيانة الآليات والمعدات يؤمنها المشغل الخاص في الفوج لكن العجز المالي يجعل الصيانة وتأمين قطع الغيار أمراً صعباً يلامس المستحيل.

 

الاحتياجات التقنية واللوجستية كثيرة. مطلوب تأمين العتاد والعديد لتنفيذ المهمات المختلفة من جهة وحماية العناصر أثناء تأديتهم مهامهم من جهة أخرى. مطلوب ألبسة مقاومة للحريق والحرارة ومعدات الإنارة وأجهزة الإنذار التي تشير الى أي توقف للحركة عند الإطفائي وأجهزة الإتصال ومعدات السلامة العامة… ويروي أحد الإطفائيين أنهم لا يزالون يستعملون أجهزة الاتصال اليدوية التي تعيق حركتهم ويقول: «ليس لدينا أكثر من جهازي كاميرا حرارية، ومعدات الإنقاذ الخاصة بنا تعمل على طاقة المولد وليس البطاريات كما المعدات الحديثة وقد تسبب ذلك لنا بمشكلة حين ذهبنا الى تركيا للمشاركة في عمليات الإنقاذ إثر الزلزال، إذ منعنا من حمل المولد على متن الطائرة وبالتالي لم نستطع استخدام معداتنا». لكن ذلك كله لا يمنع رجال فوج إطفاء بيروت من الخضوع لدورات تدريبية مستمرة للبقاء على جهوزية تامة وإن لم يقوموا بدورات في الخارج منذ العام 2018 بعد أن كان تبادل الخبرات بين لبنان والخارج يتم بشكل دائم سابقاً.

 

تأمين صحي غائب

 

الى كلّ تلك المشاكل، ثمة ما هو أكثر خطراً يتحدث عنه عناصر الإطفاء بخوف وقلق. ثمة مشكلة تتمثل بعدم وجود تأمين صحي لعناصر الإطفاء وعائلاتهم. هؤلاء الأشخاص الذين يواجهون الأخطار بأجسادهم ما عاد باستطاعتهم الدخول الى المستشفى والحصول على الطبابة اللازمة بعد أن التهمت الأزمة المخصصات المالية العائدة الى التعاونية أو نظام الحماية الصحي الذي يخضعون له والتابع مباشرة بشؤونه المالية لبلدية بيروت التي لا تزال تحتسب الدولار على قيمة 15000. وبالتالي، إذا احتاج رجل الإطفاء الى إجراء عملية جراحية نتيجة إصابة أو أي شيء آخر تبلغ تكلفتها 300 دولار فإن التغطية لا تتجاوز مبلغ 4،500000 ليرة فيما عليه أن يدفع من جيبه المبلغ المتبقي. هنا يعلق أحد العناصر: «كيف يمكننا ذلك ورواتبنا ما عاد لها أي قيمة. كنا نتقاضى ضمن الراتب بدل أخطار لكن اليوم، مع تآكل قيمة الليرة أصبح البدل يتراوح بين دولارين و ثلاثة دولارات في الشهر! أكثر من سبعين فرداً تركوا الفوج منهم من استقال وتركه بشكل نهائي للهجرة ومنهم من تقدم بما يعرف بالإستيداع أي عطلة لفترة محددة من أجل القيام بوظيفة اخرى تمكنه من تأمين لقمة العيش. نخاطر بحياتنا على حساب أنفسنا وعائلاتنا مجاناً».

 

لكن كلمة حق تقال أن المحافظ مروان عبود- كما قيل لنا- يتابع شخصياً مع المستشفيات عن طريق «المونة» والتمني لمساعدة من يحتاج الى دخول المستشفى كما أن مستشفى المقاصد في بيروت فتحت أبواب الطوارئ فيها وأبوابها لرجال إطفاء فوج بيروت.

 

الإطفاء بالأرقام

 

فوج إطفاء بيروت يضم اليوم 580 عنصراً يتوزعون بين أفراد ورتباء وضباط بقيادة العميد ماهر العجوز، ويخضع لنظام عسكري داخلي مقتبس عن نظام الأمن الداخلي وفيه الرتب والتناويه والعقوبات. ومنذ العام 2018 دخلت إليه 24 مسعفة من بينهن الشهيدة سحر فارس بقي منهن 20 اليوم وهن يواكبن بسيارات الإسعاف عمل سيارات الإطفاء لتأمين الحماية للعناصر. عناصره موظفون ثابتون يخضعون للمساءلة والمحاسبة على خلاف الدفاع المدني الذي يضم متطوعين ويتبع لوزارة الداخلية. ومن بين عديد فوج الإطفاء 430 فرداً هم في الخدمة الفعلية بينهم 100 فصلوا الى بلدية بيروت لإنجاز الأعمال الإدارية الخاصة بالبلدية. ويقول النقيب نجم: «نقوم بمهام عدة في البلدية حتى من خارج اختصاصنا لأننا نداوم أكثر من موظفي البلدية. عملنا لا يقتصر على إخماد الحرائق بل نتولى الإنقاذ بمختلف أوجهه: الغرق، إزالة أعمدة آيلة الى السقوط، إنقاذ اشخاص محتجزين في الطوابق العليا، سحب مياه من مستودعات، إنقاذ حيوانات حتى أننا دخلنا في لجنة الحيوانات الشاردة التابعة للبلدية، إضافة الى استقبالنا للمدارس والجمعيات لتقديم دورات تدريبية والتوجيهات اللازمة حول قواعد السلامة العامة والإرشادات الوقائية لتجنب الاخطار والكشف على المؤسسات السياحية للتأكد من مراعاتها السلامة العامة».

 

الى جانب كل ما يعانيه فوج الإطفاء في بيروت من مشاكل تأتي مشكلة المستودعات غير المنضبطة ومشكلة المولدات غير المراقبة لتضاف الى جعبة المخاطر التي تنتظره. وكان محافظ بيروت قد شكل لجنة من المؤسسات المصنفة وفوج إطفاء بيروت وحرس بلدية بيروت للكشف على المستودعات في كل العاصمة وتحرير محاضر ضبط للمخالفين. في هذا الإطار يقول نجم: «يحتاج الموضوع الى متابعة وملاحقة للتأكد من التزام اصحاب المستودعات بالشروط الموضوعة للسلامة وقد ساهم إضراب الموظفين في عرقلة هذه المراقبة المستمرة».

 

وبعد، هل يمكن أن تضاف أعباء أخرى الى جعبة فوج الإطفاء الحافلة بالصعاب؟ ليست أعباء يقول النقيب نجم بقدر ما هي تمنيات أو حلم بغرفة عمليات مشتركة تجمع مختلف الأجهزة الأمنية وأجهزة السلامة العامة وتريح المواطن وتمنع الفوضى تماماً كما هي الحال في معظم الدول حيث هناك رقم واحد للطوارئ أو كما يحدث في لبنان ليلة رأس السنة. فهذا المطلب كفيل بتحقيق درجة عالية من الاستجابة السريعة في حال حدوث مخاطر».

 

رغم الجهود الجبارة التي يبذلها فوج إطفاء بيروت ومثله فوج إطفاء الضاحية وفوجا طرابلس وصيدا فإن الإطفاء في لبنان يتعرض لغبنٍ إعلامي ومادي ومعنوي فيما هو في بلدان العالم المثال الذي يكرّم ويتطلع إليه الجميع بإعجاب.