طُويت صفحة الانتخابات البلدية في بيروت، مع كل ما ترافق معها من حملات وحملات مضادة، فرزت أهل بيروت حول لوائحهم، أو اعتكافهم عن التصويت، ولكن أظهرت وحدة المتنافسين برفعهم شعار خدمة المدينة وأهلها. وحتى لا يبقى شعاراً على ورق، لا بدّ من ترجمته تضافراً وتعاوناً بين جميع الأفرقاء، إذ أن التحديات التي تنتظر المجلس البلدي الفائز جمّة، وهو بحاجة لكل دعم ومساعدة، خاصة إذا كان مصدرها كفاءات لأصحاب رؤية كأفراد اللائحة المنافسة؟
ومن قادر، غير بيروت وأهلها، على إظهار هذا المستوى من الرقي والانفتاح على الآخر؟ وفي الوقت نفسه سيكون المجلس الجديد تحت مجهر الحساب، بدءاً من الرئيس الحريري، راعيه وداعمه الأساسي، مروراً بالمنافسين، وصولاً لأهل بيروت جميعاً، من قرّر إعطاءه فرصة فصوّت له، ومن قرّر محاسبة إهمال المدينة فصوّت لبيروت مدينتي، ومن يئس من الواقع المتردي ومقاطعة الانتخابات، كرسالة مباشرة رافضة للأمر الواقع.. إذاً جميعهم بالمرصاد لأن الكيل طفح، ولم يعد من جهة إيجابية تغطي على السلبيات العديدة التي غرقت بها المدينة، وفاحت روائح الصفقات وطمرت النفايات اللبنانيين جميعاً.
وحتى يُكتب لهذا التعاون أن يتم وبنجاح، فلا بدّ لعاملين أساسيين أن يتوفرا: أولاً سعة صدر الرئيس الحريري وقدرته على استيعاب الشباب وكفاءاته ورؤيته نحو التطوير والتحسين، بغض النظر عن الاختلافات، من جهة، ووعي أعضاء لائحة بيروت مدينتي ونضجهم السياسي لمد اليد للفريق الآخر، حتى يتم التعاون وتستثمر طاقاتهم، ولا يذهب مشروعهم أدراج رياح الكيدية والاستفزاز والانغلاق تجاه الآخر، فتكون بيروت، مرّة أخرى، أول من يدفع ثمن المحاسبة المعطلة، بدلاً من أن تستفيد من المحاسبة البناءة التي طالما انتظرها أهل بيروت، لإخراجهم من مستنقع الإهمال والفساد والتردي الخدماتي والاجتماعي، الذي بلغ حداً غير مسبوق في العاصمة تحديداً وسائر المناطق عموماً.
فهل ينتصر نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مد جسور التحاور والتعاون مع الخصوم لتحقيق أفضل النتائج، أم أن المراهنين على توسيع الهوّة لحصار الرئيس سعد الحريري سياسياً سينتصرون، وترمى كل النفايات السياسية عندها في بيروت فتدفع الثمن الأكبر، وينجح الذين يصطادون في المياه العكرة حينها في إجهاض محاولة الرئيس الحريري ردم الهوّة مع جمهوره وإطلاق عجلة العمل البلدي البنّاء في المدينة، تحت سقف محاسبة واضحة وصارمة من جهة، ويكون الطوق السياسي قد أحكم حول بيروت مدينتي لتحويلها إلى «بدنا نحاسب» أخرى، التي حاولت وفشلت وانتهت عند هذا الحد، مانعين أي تواصل مع المجلس الحالي والرئيس الحريري ضمن سياسة فرّق تسد، وحتى تبقى بيروت وأهلها الخاسر الأكبر، وتبقى هيمنة الأحزاب الأقوى فيها بحجة فشل تجربة المجتمع المدني في العاصمة!