على رغم تفضيل قوى سياسية تشكيلَ تحالفاتها الانتخابية وتلوين لوائحها ومعاييرها، وَجد المعيارُ السياسي في هذه الانتخابات مكاناً له في لوائح ومعارك قوى معدودة. ويتجلّى هذا المعيارُ في دوائر معيّنة لأسبابٍ عدّة تشابهت أو اختلفت، ومن هذه الدوائر «بيروت الأولى»، حيث تجتمع قوى مسيحية في لائحة واحدة وفق شعارات 14 آذار، إنما من دون الشريك السنّي تيار «المستقبل».
تبدّلت الرياح وحوّلت مسارَ النزاع بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» الحاد في 2005 و2009 زواجَ مصلحة ليصبحَ التياران «تياراً» واحداً في وجه الحلفاء السابقين (ربما الحاليين أيضاً والمستقبليين). لكن يظهر أنّ هذا الزواج تنقصه «المحبة»، وأنّ الفسحاتِ في ما بين الطرفين ترقص فيها رياحٌ كثيرة، فيُقال إنّ بسبب أحد أعضاء اللائحة تعذّر التقاطُ صورة لعقد القران، أو التُقطت صورة يتيمة في أحد المهرجانات الانتخابية لحفظ ماء الوجه.
معركةُ قوى كُبرى
على رغم أنّ القانونَ الانتخابي الجديد والصوت التفضيلي يفسحان في المجال لمفاجآتٍ انتخابية، يبدو أنّ بعض المقاعد النيابية حُسم في عدد من الدوائر قبل السادس من أيار، إلّا أنّ هناك دوائر تتنافس فيها لوائحُ قوية متنوّعة تتنافس عمودياً وأفقياً، ما يُكثّف احتمالاتِ الفوز والخسارة.
وتتشكّل هذه المشهديةُ في دائرة «بيروت الأولى»، التي تضمّ الأشرفية ـ الرميل ـ المدوّر ـ الصيفي. ففي هذه الدائرة محطّ أقدام لكلّ من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» و«الطاشناق»، إضافةً إلى حيثيةٍ لتيار «المستقبل» وأحزاب أرمنية أخرى، ناهيك عن الوجود القوي لشخصيات في حدِّ ذاتها، تمثّل رمزية وطنية أو سياسية أو عائلية، مثل النائب نديم الجميل، الوزير ميشال فرعون، رجل الأعمال انطون الصحناوي، كذلك مسعود الأشقر الذي يعتبر نفسَه «رفيق الشيخ بشير الجميل».
وتُعدّ هذه الدائرة موطنَ «المجتمع المدني»، الذي حقّق خرقاً لافتاً في الانتخابات البلدية الأخيرة، وكاد يفوز على القوى الحزبية مجتمعةً، وينافس بلائحة «كلنا وطني» القوى الحزبية «غير المجتمعة» هذه المرة.
يشكّل الناخبون المسيحيون النسبة الأكبر في دائرة «بيروت الأولى»، أي نحو 90 في المئة، من أصل 134 ألف ناخب.
وتتوزّع مقاعدُ الدائرة الثمانية على طوائف مسيحية كالآتي: 3 أرمن أرثوذكس، 1 أرمن كاثوليك، 1 روم أرثوذكس، 1 ماروني، 1 روم كاثوليك، 1 أقليات.
وعلى هذه المقاعد الثمانية يتنافس 33 مرشحاً في 5 لوائح، ثلاث منها مُكتملة، واثنتان غير مُكتملتين.
خسارةٌ مريرة
على مقعدٍ واحد يتنافس فرعون ونائب رئيس «التيار الوطني الحر» نقولا صحناوي، الذي تتسرّب من أمامه أصواتٌ الى المنشقّ عن «التيار» زياد عبس المُرشح على لائحة «كلنا وطني» والذي يلقى تعاطفاً عونياً في الأشرفية.
يسعى فرعون المرشح على لائحة «بيروت الأولى»، ضمن تحالف مع «القوات»- «الكتائب»- «الرامغفار»- انطون الصحناوي، الى الفوز بمقعد الروم الكاثوليك. فيما يحاول نقولا صحناوي، المرشح على لائحة «بيروت الأولى القوية» ضمن تحالف «التيار الوطني الحر»- حزب «الطاشناق»- حزب «الهانشاك» ـ «المستقبل»، سحبَ هذا المقعد من فرعون.
يبدو أنّ خوفَ كلّ مِن فرعون ونقولا صحناوي مِن عدم الفوز بمقعد «تمثيل» الأشرفية الكاثوليكي، الذي يحتلّه الأول منذ 1996، يتصاعد تدريجاً مع اقتراب يوم الحسم. فبعد نزعِ صورٍ لفرعون في الأشرفية اتّهم الأخير صحناوي بصفقات تفوق الـ100 مليون دولار وفي تسهيل الاغتيالات التي حصلت منذ سنوات، ومنها الانفجارُ الذي أودى باللواء وسام الحسن. أما صحناوي فاعتبر أنّ «كلامَ فرعون مشبوه وتوقيتُه مرتبطٌ بالعملية الانتخابية».
لمعركة فرعون رمزياتٌ عدة، إذ إنه يخوضها هذه المرة من دون حليفه تيار «المستقبل» و»صديقه» الرئيس سعد الحريري، ولأنّ عائلته فازت بهذا المقعد في مواسم إنتخابية عدة، فضلاً عن أنه أحد وجوه فريق 14 آذار، على ما يُشدّد.
أما صحناوي فيمثّل «حزب العهد» («التيار الوطني الحر») وهو نائب رئيس هذا الحزب، ويخوض معركةً موازية لامتصاص أيّ امتعاضٍ عوني تجلّى مراراً في هذه الدائرة، ومنها في الانتخابات البلدية الأخيرة.
احتدمت المعركة أخيراً بين الرجلين، وتبادلا الاتّهام وفَتح الملفات والدفاتر القديمة والجديدة. ويعترف فرعون أنّ «البلد مبنيٌّ على التسويات»، إلاّ أنه يرى أنّ «مرحلة الانتخابات ليست مرحلة تسويات بل تأكيد على الثوابت».
وعن الانفصال الانتخابي عن تيار «المستقبل» يشير في حديثٍ لـ«الجمهورية» إلى «أنّ مكان «المستقبل» الطبيعي معنا، إلّا أنّ المصالحَ الانتخابية غلبت هذه المرة، واتّفق «المستقبل» وحزب «الهنشاك» مع «التيار الوطني الحر» على»Deal» يشمل الأشرفية وزحلة. ويعتبر أنّ «ما بين التيارين أقلُّ من تحالف».
منافسة داخلية وخارجية
على الخط الانتخابي السياسي نفسه، يساهم التداخل بين قواعد عدد من المرشحين في سعي كلٍّ منهم الى تأمين أكبر عدد ممكن من الحواصل الانتخابية في مرحلة أولى ومن ثمّ أصوات تفضيلية، في مرحلة ثانية.
يتشارك المرشحون على لائحة «بيروت الأولى» النائب نديم الجميل عن المقعد الماروني، ومرشحا «القوات اللبنانية» عماد واكيم عن مقعد الروم الأرثوذكس ورياض عاقل عن مقعد الأقلّيات، القاعدة الشعبية نفسها تقريباً. أصوات «الكتائب اللبنانية» ستصبّ للجميل إضافةً إلى أصوات الذين يعتبرون أنّ الأشرفية تعني بشير الجميل وبشير يعني نديم الجميل، وبالتالي سيمنحون أصواتهم التفضيلية لإبن رئيس الجمهورية الشهيد ومؤسس «القوات اللبنانية»، مهما كان انتماؤُهم الحزبي.
وبين الجميل وواكيم وعاقل يشدّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على الحزبيّين ومناصري «القوات» لمنح صوتهم التفضيلي لواكيم مرشح الحزب الرسمي.
وعلى صعيد المنافسة خارج اللائحة، ينافس الجميل على هذا المقعد المرشح على لائحة «بيروت الأولى القوية» مسعود الأشقر، الذي لديه حيثيّة خصوصاً في الأشرفية نظراً لتاريخه «الزيتي النضالي المقاوم»، والمُرشح اليوم على لائحة تحالف التيارَين «الأزرق» و«البرتقالي».
وتعيد مصادر «القوات اللبنانية» التأكيدَ أنّ المرشح الرسمي لـ«القوات»، هو واكيم، أما عاقل فيملك مخزوناً من شريحة معيّنة مقاوِمة غير ملتزمة بـ«القوات»، ستصبّ أصواتها له.
وبالنسبة الى نديم الجميل، فتوضح المصادر أن له «حالة خاصة» يمثلها في الأشرفية، إضافةً إلى حزب «الكتائب»، وبالتالي لا خوفَ من توزيع الأصوات التفضيلية في هذه الدائرة.
وحول معركة اللائحة الداخلية، يؤكّد الجميل لـ«الجمهورية» أنّ «معركتي ليست داخل اللائحة، بل معركتي هي معركة اللائحة، ومعركة خيار سياسي في البلد بكامله».
وألا يُعتبر تحالف «الكتائب» و«القوات» في هذه الدائرة ودوائر أخرى معدودة وليس على صعيد لبنان بكامله، تحالف مصلحة أيضاً؟ يجيب الجميل: «لو كان الهدف تحالف مصلحة، لتحالفتُ مع «الطاشناق» ومع «التيار الوطني الحر» والآخرين، الذين يُمكن أن يؤمّنوا لي حاصلاً أكبر من بقية الأفرقاء».
وفق أرقام وتقديرات غير رسمية ستؤمّن لائحة «بيروت الأولى» ثلاثة حواصل انتخابية وبالتالي ثلاثة مقاعد من 8 في هذه الدائرة، وتعمل على رفع الحواصل الانتخابية لتفوز بمقعد رابع. أما في ظلّ تعدّد المرشحين والقوى والعوامل الانتخابية السياسية فلا يُمكن حسمُ هوية المرشحين الفائزين.
وتقول أوساط متابعة، إنّ فوزَ مرشحين على لائحة «بيروت الأولى» او على لوائح «المجتمع المدني» سيكون فوزاً لهوية سياسية واضحة، أما الالتباس في هذه الدائرة فيَكمُن، وكما في دوائر عدة في لائحة «التيارَيْن»، فأيُّ هوية سياسية ستفوز؟