اذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري سلّم بتراجع عدد كتلته النيابية في البرلمان انطلاقا من القانون الانتخابي الجديد الذي جعل منه الخاسر الاكبر، فان خسارته في بيروت سيكون لها الوقع الاصعب سياسيا وشعبيا، وهو الامر الذي يدركه جيدا ويعمل ما في وسعه لتجنبه في العاصمة التي تشكل مناطق «دائرة بيروت الثانية» خزان الصوت السني بالنسبة اليه.
لكن المطلع على طبيعة هذه المناطق وما يدور في كواليس الحراك السياسي الانتخابي مع توزّع اللوائح وتعددها يدرك تماما ان شعار الحريري «زي ما هيّي» سيكون ليس فقط صعب التحقّق هذه المرة انما ايضا شبه مستحيل، وهو ما جعل المباحثات تتجه في مرحلة سابقة في أروقة «المستقبل» نحو احتمال خوض معركته بلائحتين بحيث يمكن الاستفادة من توزيع الاصوات عبر القانون النسبي والصوت التفضيلي، قبل ان يتخذ قرار باستبعاده، على الأقل لغاية الآن.
واستحالة فوز «المستقبل» بكامل اللائحة التي يفترض ان تضم 11 مقعدا : ستة للسنة، واثنان للشيعة، ودرزي وانجيلي واورثوذكسي، تنطلق من عوامل سياسية واجتماعية اساسية. اذ ان النبض الشعبي السني في هذه المنطقة التي لطالما هتفت للحريري تبدّل على امتداد السنوات الاخيرة بحيث تخطى جزء كبير منه مرحلة التململ ووصل الى مرحلة «الانتفاضة» وساعده في ذلك ظهور الحراك المدني الذي أفرز واقعا جديدا في الانتخابات البلدية الأخيرة وقد تتوسع دائرته اكثر في الانتخابات النيابية وبخاصة ان ممارسات وسياسة بلدية بيروت المحسوبة على «المستقبل» لم تنجح في تغيير هذه الصورة انما كرستها بشكل أكبر، وهو ما زاد من صعوبة مهمة الحريري الذي بات عليه التركيز على ما يمكن وصفه بالطبقة الفقيرة معتمدا في ذلك على الغريزة الطائفية والمذهبية او المال غير المتوافر لديه الآن، في وقت بات توجّه الشباب وقسم كبير من الطبقات الاخرى نحو التغيير.
وفي موازاة الواقع الشعبي المتعثّر، يواجه الحريري واقعا سياسيا معقدا في «بيروت الثانية» ذات الغالبية المسلمة والتي تضم، رأس بيروت، عين المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة، المرفأ، والباشورة. ويتمثل هذا الامر بالدرجة الاولى عبر قراره الحاسم بمواجهة «حزب الله» في كل الدوائر الانتخابية في وقت حسم «الثنائي الشيعي» قراره بالتحالف الثابت والاستراتيجي في كل المناطق ما رفع احتمال فوزهما بالمقعدين الشيعيين في هذه الدائرة بعدما فرضا على «المستقبل» الافتراق القسري عن «حركة امل».
وفي وقت لا تزال المفاوضات بين «المستقبل» وفؤاد مخزومي مستمرة مع ترجيح عدم تحالف الحريري مع «الجماعة الاسلامية» و«جمعية المشاريع» بات شبه محسوم ان تجمع لائحة المستقبل التي يفترض ان يرأسها الحريري وتضم وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس الحكومة السابق تمام سلام او نجله مرشحا من «التيار الوطني الحر» ومن «الحزب الاشتراكي» على ان يختار «المستقبل» المرشحين الشيعيين، واشارت المعلومات الى ان التيار يسعى الى كسب المقعد الانجيلي وقد يكون المرشح حبيب افرام.
أما المواجهة الابرز فستكون سنية – سنية بامتياز بين «المستقبل» ووزير العدل السابق اشرف ريفي الذي أكد دخوله على خط معركة العاصمة بلائحة مكتملة وعناوين جاذبة للشارع السني مع ترجيح بعض التقديرات بامكانية تحقيقه خرقاً في النتائج وبخاصة انه يتوجه في حملته الى اهالي بيروت الذين «تهجروا» منها وعقد ممثلون عنه عدّة لقاءات مع عائلات في مناطق بشامون وعرمون … اضافة الى حمله لواء مواجهة حزب الله وسلاحه وفريق «8 آذار كما رفض الوصاية الايرانية على لبنان.
في المقابل، وعلى جبهة المجتمع المدني الذي اعلن جزء منه خوض الانتخابات في «تحالف وطني» جمع «الاضداد» مثل «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب»، قافزا فوق المواضيع السياسية الخلافية، فانه من المرجح ان يتم تشكيل لائحة أخرى بعناوين وشعارات بـ «عناوين 14 آذار» وأكثر وضوحا من اللائحة الاولى بخاصة لجهة رفض حزب الله وسلاحه. وتشير المعلومات في هذا الاطار الى ان هذه اللائحة ستكون برئاسة ابراهيم منيمنة الذي ترأس لائحة «بيروت مدينتي» في الانتخابات البلدية وحصل على 32 الف صوت، على ان تتضح صورة تحالفاتها بشكل أكثر في الايام او الاسابيع القليلة المقبلة.
مع العلم انه وفق «الدولية للمعلومات»، فان عدد المسجّلين على لوائح الشطب في دائرة بيروت الثانية يبلغ نحو 347 ألفاً اقترع منهم في الانتخابات السابقة نحو 40 في المائة من المتوقع ان ترتفع في الانتخابات النيابية الى 50 بالمئة، واذا تحقّق هذا الأمر عندئذ يصبح الحاصل الانتخابي نحو 15 ألف صوت.
في المحصلة، ورغم ان التوقعات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات انطلاقا من التحالفات، فان التقديرات تشير، لغاية الآن الى عدم قدرة «لائحة المستقبل» على الفوز بأكثر من ثلاثة او اربعة مقاعد من السنة ومقعد درزي (للحزب الاشتراكي) وآخر مسيحي (التيار الوطني الحر)، وبالتالي لن يكونا ضمن كتلة «المستقبل» في البرلمان، بينما تؤكد المعطيات ان لا يكون المقعدان الشيعيان الا من حصة «الثنائي الشيعي»، في حين قد تتوزع مقاعد السنة التي سيخسرها الحريري على اللوائح المنافسة الاخرى، ابرزها ريفي والمجتمع المدني.