IMLebanon

بيروت ليست قرية وسوليدير قلب لبنان

لا نستطيع أن نتجاهل ما يدور  في  قلب العاصمة بيروت، هذه المساحة الاستثنائية التي أعيد إحيائها بإيمان وصلابة وعزيمة غير مسبوقة،  وتحمّل الذين ساروا على جلجلة إعادة إعمارها كلّ سياط الحقد والتجريح من كلّ الذين دمروا قلب بيروت ، إنّ إعادة النبض إلى قلب لبنان كان في دائرة المستحيل لأنه كان يعاني من انسداد في شرايينه بأطنان من الركام والأوجاع  والأحقاد، حتى اعتقد اللبنانيون بموت لبنانهم بتوقف قلب العاصمة عن الخفقان.

مباني سوليدير الجميلة الآن هي الجاذب الوحيد للتجربة الديموقراطية كما في كلّ مدن الحرية من باريس الى لندن إلى روما وغيرها، لأنّ الديموقراطية لا تستطيع العيش في بيئة قبلية أو طائفية أو مناطقية، فجميعها مانعة للاختلاط والانصهار والتفاعل والإبداع  والتجدد والحرية، لذلك كانت الديموقراطية في لبنان عندما كان  قلب بيروت ينبض بالحياة مع شرايين مفتوحة ليل نهار على كلّ الأحياء والمناطق والفئات، الأغنياء والفقراء، اليمين واليسار، الكنائس والمساجد، المقاهي والملاهي، المسارح والسينمات ، يومها كان البرلمان،حيث هو الآن، وكانت المظاهرات حيث تجري الآن..

إنّ سوليدير هي أكبر من شركة عقارية تقيّم بالأرباح والخسائر التجارية.. إنّ سوليدير هي الأمل والمستقبل وذلك منذ نزول أول جرافة  لترفع سواتر الحقد والقتل والدمار، يومها بدأ  الأمل بعودة الروح الى جسد الوطن، وعلى ركامها كانت عودة المهرجانات مع يوم فيروز الكبير.. ثم كان ازدحام الأشقاء والأصدقاء واللبنانيين الصغار والكبار.. حتى جاء يوم الرابع عشر من شباط ذلك اليوم الأخير من حياة الرجل الذي أحب بيروت وقلبها.. ألم تكن ساعاته الأخيرة كلّها في سوليدير؟ من البرلمان إلى مقهى الاتوال إلى «الزيتونة باي» حيث وقع الاغتيال ثم العودة النهائية إلى ساحة الشهداء.. أوليست ٨ آذار و14آذار من مواليد سوليدير؟ ثم احتفالات 13 نيسان التي أعادت الفرح إلى قلب العاصمة رغم عمق الجراح ثم قداديس الأحد وبيروت ترنم في الميلاد وصلوات الجمعة على الدوام.. ثم كان الاعتصام الأطول في سوليدير.. ثم البرلمان ونقاشاته وتشريعاته وإقفاله ومقاطعته واعتصام رئيسه وحواره والسراي والحكومات كلّها جزء من تاريخ سوليدير، ثم تظاهرات الرتب والرواتب، وتشييع الشهداء، واعتصامات الاسكوا كلها في سوليدير واعتصام أهالي العسكريين وقبلهم أهالي المخطوفين في سوريا، والتحركات الاخيرة وشعاراتها الكثيرة وأطيافها وأهدافها التي لا تعد ولا تحصى، والاشتبكات والصيام، واليسار واليمين، والديموقراطيين والطائفيين، كلها وبدون استثناء حدثت في سوليدير قلب لبنان النابض بالحياة. وهذا نجاح لمشروع سوليدير الذي كان المقصود منه أن يكون محل اجتماع كلّ اللبنانيين وبكلّ ما عندهم من أحزان وأفراح وغضب وأحلام .

لا بدّ من تصويب المعاني كي لا يكرّر الأغبياء أخطاءهم وخطاياهم بحقّ بيروت المدينة ووظيفتها في حفظ الاجتماع اللبناني، فالعواصم يحفظها المعصومون ويبنيها العصاميون، فالعاصمة هي مزيج من الفضيلة والإرادة والطموح واختيارها بحب وحرية مكان للعمل والحياة، إنّ ما توالد في ساحات ومقاهي سوليدير يرفع أسهمها الوطنية أضعاف أضعاف قيمة أسهمها التجارية، مما يجعلها أيقونة وطنية كما أرادها الرجل الذي أعاد بنائها.. وكما نبهنا المجتمع المدني الريفي من ترييف المدينة ننبه بعض الغيارى على بيروت من تحويلها إلى قرية صغيرة.. فببقاء بيروت مدينة يبقى لبنان الحرية والتنوع لأن بيروت ليست قرية وسوليدير قلب لبنان النابض بالحياة..