عشية إعلان نتائج الانتخابات النيابية مساء الاثنين الموافق السابع من أيّار تذكرت دويلة ياسر عرفات في بيروت، والتجاوزات التي كانت تضطلع بها الدويلة على حقوق الدولة. بلغ الغرور بقيادة المقاومة الفلسطينية فاستباحت لنفسها انتزاع حق السيادة الذي هو ملك حصري للدولة بموجب الدستور وكل القوانين والأعراف الدولية.
ما ذكرني بدويلة عرفات واستباحتها لسيادة الدولة تصريح صدر عن أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، بعد إعلانه لنتائج الانتخابات التي حققها الحزب في مختلف الدوائر، حيث اعتبر ان النتائج التي تحققت في دائرة بيروت الثانية، قد جاءت لتكرس بيروت كعاصمة للمقاومة، مشككاً أن تكون بعد الآن عاصمة للجمهورية اللبنانية، تضم بين جناحيها مختلف فئات وأطياف الشعب اللبناني.
سبق لعرفات أن ضرب بعرض الحائط كل المضامين السيادية للجمهورية، وخصوصاً سيادة الدولة على حدودها، فاعتبر ان جميع المداخل الحدودية أصبحت مفتوحة ومستباحة امام عبور المقاتلين والزوار من العرب والأجانب. لقد اعتبرت الثورة الفلسطينية انها تمتلك القرار المستقل والمطلق لإدخال من تشاء إلى لبنان سواء كان مقاتلاً أو ضيفاً سياسياً طارئاً. تصرفت المقاومة وخلال سنوات عديدة، وكأنها صاحبة القرار السيادي، وقرار السلم والحرب.
يلتقي توصيف السيّد نصر الله لبيروت كعاصمة للمقاومة مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن سيطرتهم وتحكّمهم بعدد من العواصم العربية ومن بينها بيروت. وكان التصريح الأخير للرئيس حسن روحاني والذي اعتبر بأن القرارات الهامة التي تتخذ في عدد من العواصم (وبينها بيروت) لا بدّ ان تتخذ بالتوافق مع إيران. إذا كانت قراءة رئيس الدولة الإيرانية لصنع القرار في لبنان صحية فإنه من الطبيعي جداً للسيد نصر الله ان يعتبر بأن بيروت بعد النتائج التي حققتها لائحة المقاومة في بيروت الثانية قد تحوّلت إلى عاصمة للمقاومة، والتي باتت تتمتع بشرعية تتقدّم على شرعية الدولة اللبنانية.
يبدو بوضوح بأننا نناقش ونتحفظ على التصريح الأخير لأمين عام حزب الله، في الوقت الذي فاتنا وخلال سنوات، وخصوصا بعد إعلان حزب الله مشاركته في الحرب السورية كحليف للنظام بأن الحزب قد تجاهل سيادة الدولة دون أي اعتبار لسياد الحدود ودون أي تنسيق مع القوى العسكرية والأمنية اللبنانية بالرغم من مناداته بالثلاثية الذهبية: جيش وشعب ومقاومة.
لا بدّ هنا من التذكير باعتراض شرائح واسعة من الشعب اللبناني لاستباحة ياسر عرفات والمقاومة الفلسطينية للسيادة اللبنانية، وكان من الطبيعي ان لا تنفع النصائح في كبح تجاوزات الثورة، حيث تولدت نتيجة التمادي على حقوق الدولة والشعب ضغوطاً أدّت في نهاية الأمر إلى حروب داخلية، دامت لعقد ونصف.
ان لبنان هو بغنى عن إثارة أية حساسيات تتعلق بسيادة الدولة واحترام الصيغة والدستور. ونحن نعوّل في هذا المجال على حكمة قيادة المقاومة وعلى رأسها السيّد نصر الله من أجل ضبط مفردات الخطاب السياسي، وإبقائها ضمن حدود القانون، وعلى الأقل لفظاً إذا لم يكن من الممكن ان تكون تحت هذا السقف فعلا وممارسة.
بيروت هي عاصمة جميع اللبنانيين، الذين حافظوا على تراثها ورصيدها كجامعة للثقافات وكحاضنة لهم دون تمييز، نحن نطمح إلى جعل بيروت كعاصمة لامتزاج الثقافة العربية والثقافات الأخرى، والملاذ لكل الباحثين للعيش في فضاء الحرية.