IMLebanon

بيروت «صندوقة بريد» للرسائل الروسيّة «الفجّة» الى الرياض وواشنطن؟

محاولة بعض المسؤولين اللبنانيين المنتفضين «لكرامتهم» الوطنية، اثارة «زوبعة» في «فنجان»، ازاء ما اعتبروه تبليغا «فجا» من قبل السلطات الروسية لنظيرتها اللبنانية باقفال مجالها الجوي، يفيد بأن هؤلاء، لم يفهموا بعد طبيعة «اللعبة» الاقليمية والدولية وتوازناتها المتغيرة، ولم يقتنعوا بعد بان ثمة تحولات جذرية حصلت، وان معالم نظام عالمي واقليمي جديد يجري رسمها، لا مكان فيه «للبطولات الوهمية» التي تخاض في «العالم الافتراضي»، فثمة وقائع لا تترجم الا على ارض الواقع، وموسكو المقبلة على رفع منسوب تدخلها في الحرب على الارهاب في سوريا معنية بتوجيه «رسائل» عملية الى «خصومها» في المنطقة، ولا تنقصها ابدا «الكياسة» الدبلوماسية في التعامل مع دولة مثل لبنان. لكن هل ثمة من طرح السؤال الجوهري عن سبب تلك «العجرفة» الروسية في التعامل مع الحكومة اللبنانية؟ ولماذا جاءت صيغة الابلاغ بطريقة «الامر» لا «الطلب»؟

اوساط ديبلوماسية في بيروت ترى انه من المفيد التذكير انه في معظم المناورات الروسية السابقة، كانت وزارة الدفاع الروسيّة تصدر بيانات مسبقة عن جدول العمليّات المرتقبة ومدّتها وأهدافها، لكنّ الأمر اختلف مع المناورات الحاليّة. وكان لافتا عدم اعتماد موسكو الأصول الرسميّة في إبلاغ وزارة الخارجيّة اللبنانيّة خطيّاً بتلك العمليّات،على الرغم من وجود وزير الخارجية جبران باسيل في موسكو قبل ساعات معدودة من بدء هذه المناورات، وكان لافتا ان اي من المسؤولين الروس لم يفاتحه بها، ولم تطرح على بساط البحث، على الرغم من تطرق الجانبين الروسي واللبناني الى العملية العسكرية في سوريا، وتحديات الارهاب على الساحة اللبنانية، وكذلك الازمة السياسية الداخلية.

وتلفت تلك الاوساط الى ان النقطة الاخيرة ربما تقدم بعض الشروحات حول طبيعة التصرف الروسي العسكري «الفج»، ووفقا للمعلومات، فان باسيل تطرق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الى الاوضاع الداخلية اللبنانية، وطالب بتحرك روسي فاعل على خط الوصول الى تسوية داخلية تعيد الانتظام الى عمل المؤسسات لحل معضلة الشغور الرئاسي، ولمح الوزير اللبناني الى امكانية «لعب» موسكو لدور فاعل بعد حضورها العسكري والدبلوماسي في المنطقة، وتحول موسكو الى «محج» لكافة دول الاقليمية المعنية بالملف اللبناني، اضافة الى الزيارة المرتقبة للرئيس فلاديمير بوتين الى طهران.

هذا العرض المسهب من قبل باسيل، قوبل «بفتور» واضح من قبل لافروف تؤكد الاوساط، الذي لم تصدر عنه اي اشارات توحي برغبة موسكو في التحرك على هذا الخط، فاولوية الروس الان في مكان آخر، الحرب على الارهاب في سوريا، ومواجهة خصومها الغربيين والاقليميين على الساحة السورية، لا يسمح الان بالدخول في نقاش حول تسوية الملف اللبناني، خصوصا ان موسكو لا تريد ان تتسبب باي «نقزة» لحليفها الايراني، المعني الاول بهذا الملف، واي دخول على «الخط» قد يفسر بشكل خاطىء. والاهم من كل ذلك ان الطرف الاخر المعني بتعقيد الحل، هو المملكة العربية السعودية التي لم تبد اي مؤشر على التعاون مع موسكو باي من ملفات المنطقة، وتستمر في خلق المشاكل «والمشاغبة» على السياسية الروسية. ووفقا لما فهمه الوفد اللبناني فان روسيا غير معنية الان بالدخول في اي نقاش مع السعوديين حول اي ملف «ثانوي» يسمح لهم بطلب مقايضة او ممارسة عملية ابتزاز بين الملف اللبناني وغيره من الملفات، «الود» حتى الان لا يزال مفقودا مع الرياض، والتعامل بين الطرفين تسوده اجواء متشنجة، وموسكو لا تجد نفسها معنية راهنا بالقيام باي جهد ديبلوماسي تجاه المملكة التي قد تفهم الامور على نحو خاطىء.

وانطلاقا من هذه الاجواء المتشنجة، ترجح تلك الاوساط، ان تكون «الرسالة» العسكرية الروسية الاخيرة موجهة الى السعوديين ومن خلفهم الاميركيين، فالحكومة اللبنانية وعلى الرغم من «تطعيمها» بقوى سياسية محسوبة على الفريق الحليف للروس في المنطقة، الا ان رئاسة الحكومة تمثل الطرف السعودي، والرياض في مفاوضاتها حول الملف اللبناني طالما انطلقت من كونها تتحكم بمصير الحكومة لجهة الصلاحيات الممنوحة لرئيسها التي جرت تسميته من قبل المملكة، ومن هنا تبدو السلطات الروسية معنية في هذه المرحلة بتوجيه «رسالة» قاسية تؤشر الى طبيعة المرحلة المقبلة، فكما كانت «الرسائل» الروسية حاسمة على الحدود السورية التركية، بعد الاختراق المتعمد للاجواء التركية، تأتي المناورات اليوم على الحدود الغربية لسوريا، واضحة في دلالاتها، موسكو تريد ابلاغ من يعنيهم الامر بان «الامر لي» في هذه المواجهة المفتوحة مع الارهاب، لن تستجدي موسكو «صداقة» احد، ومن لا يريد التعاون سيجبر على ذلك، المصالح الروسية في خطر، بعد 11 ايلول لم تستأذن واشنطن احد، قامت باحتلال افغانستان والعراق، دون وجه حق، واليوم تملك روسيا الشرعية والغطاء والعطاء الاخلاقي لمواجهة التنظيمات الارهابية، بيروت ليست مقصودة بذاتها، انها فقط «صندوق بريد» وجهت من خلالها موسكو رسالتها الى كل خصومها في المنطقة والعالم.

وبرأي تلك الاوساط، فان الامور قد لا تكون انتهت عند هذا الحد، فلا احد يعرف بعد ما الذي سيلي تلك المناورات، وقد تحتاج روسيا استخدام الاجواء اللبنانية من أجل توسيع العمليات العسكرية في سوريا، وحتى الان لا معلومات حول طبيعة هذه العمليات وما اذا كانت ستستهدف «داعش» فقط أم المجموعات الأخرى التي تنتشر بعضها على الحدود اللبنانية السورية، الاميركيون لم يستطيعوا تحديد ذلك، محاولة بعض القيادات اللبنانية الاستفسار من السفارة الاميركية في بيروت، لم تفض الى نتيجة، تبين انه لا وجود لاتصالات مع الروس لتبادل المعلومات بشأن أهدافهم المقبلة!

وازاء ما تقدم من معطيات، تبدو الامور شديدة التعقيد في المنطقة، ثمة تصعيد عسكري غير مسبوق ستقوده موسكو بالتعاون مع طهران، ستتبلور صيغته بعد زيارة الرئيس الروسي الى ايران، ثمة حديث عن رفع مستوى مشاركة طهران البرية في الحرب، في المقابل وعلى الرغم من «الموجة العاطفية» العارمة بعد هجمات فرنسا، والدعوات المتسارعة لخلق تعاون دولي في مرحلة ما بعد باريس، إلا أن ذلك لم يترجم بعد على ارض الواقع، تقول الاوساط، فالتحالف الذي يجري الحديث عنه يظل «نظريا» حتى في ظل الجهود التي يحاول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بذلها لجسر هوة الخلافات بين روسيا التي باتت اللاعب الرئيسي في الساحة السورية، والولايات المتحدة الأميركية التي أثبتت الهجمات الأخيرة فشل سياسة الإحتواء التي تبنتها منذ العام الماضي. المعضلة الاساسية تبقى ان الحرب على تنظيم «داعش» تحتاج الى اتفاق على ما بعد اسقاط هذه «الدولة»، حتى الان لا توجد خريطة طريق للمستقبل بعد هزيمته، هذا ما يعقد المشهد وينذر بالمزيد من المخاطر نتيجة تعارض المصالح الدولية والاقليمية، وهذا ما يضع لبنان تحت المزيد من «الضغوط» السياسية والامنية، وتجاوز المرحلة الصعبة يحتاج الى اكثر من «حرب افتراضية» يخوضها البعض على «تويتر»، ثمة حرب جدية تدور رحاها في منطقة يعاد رسم التوازنات فيها، وقد تكون مشاركة حزب الله في رسم معالمها «النقطة المضيئة» الوحيدة في «حفلة الجنون» المستمرة….