IMLebanon

أيار بيروت وأيلول صنعاء

 

كان من اللافت بل من المذهل حقاً للرأي العام العربي ولأولئك المراقبين المتابعين للوضع الإقليمي المتفجر والذي تحتل فيه المعركة العالمية ضد تنظيم داعش أهمية قصوى أن يجري احتلال عاصمة عربية من قبل ميليشيات قبلية مسلحة من دون أن تتحرك جامعة الدول العربية وأن تتخذ موقفاً مسؤولاً خليقاً به أن يكون على مستوى خطورة الحدث وأبعاده. فالذي جرى في الأيام الأخيرة من شهر أيلول المنصرم في صنعاء كان انقلاباً عسكرياً جدياً وليس بالإمكان قط نكرانه أو إغفاله والتغاضي عنه. فقد استغل الحوثيون المدججون بالأسلحة الثقيلة المواقف الإقليمية المنصبّة على المعركة ضد إرهاب داعش والذي تشترك فيه خمس دول عربية مدعومة من قبل تحالف دولي عريض تتزعمه أميركا بضربات جوية متلاحقة لمواقع الإرهابيين لينفذوا هذا الانقلاب. فتحت ستار «مطالب إصلاحية» رفعها الحوثيون جرى احتلال المرافق الحيوية للمدينة، فمن مباني التلفزيون الرسمي إلى الإذاعة إلى قيادة القوات الجوية راح الانقلابيون في الوقت الذي كان مندوبهم يوقع اتفاق تسوية مع السلطة المركزية وبإشراف المبعوث الدولي جمال بن عمر يستكملون مشروعهم الانقلابي الخطير. فقد لجأوا إلى احتلال الثكن العسكرية واستولوا على المدرعات وبطاريات المدافع ومخازن الأسلحة والذخيرة. لا بل احتلوا المباني الجامعية والمدارس ليحوّلوها إلى ثكنات عسكرية تابعة لهم، غير عابئين بموقف الأهالي ولا بتظاهراتهم الرافضة لمنطق قوى الأمر الواقع. بل أسوأ من ذلك عندما راحوا يندفعون نحو الغرب اليمني قاصدين إسقاط مرفأ الحديدة وهو المرفق البحري الرئيسي للبلاد.

ذلك أن تلقي ورسو القطع البحرية الإيرانية المحملة بالأسلحة والذخائر يصبح والحالة هذه ممكناً. وقد كانت فضيحة فعلية أن يشترك الانقلابيون لتوقيع الاتفاق التسوية أن توافق الحكومة على إطلاق سراح طاقم السفينة الإيرانية التي جرى توقيفها متلبسة وهي تنقل السلاح إلى الحوثيين الثائرين.

إن الطابع الفئوي المذهبي للانقلاب اليمني وارتباطه الوثيق بالأطماع الإيرانية في الجزيرة العربية، ومدى تورط طهران بتمويل وتسليح الحوثيين، راح يستدعي ردود فعل مذهبية من فئات أخرى. فقد اغتنم تنظيم القاعدة التمركز في حضرموت وشبوة وبعض المناطق الجنوبية للدعوة إلى التسلح والقتال المذهبي ضد الانقلابيين. لا بل راحت الجيوب المتبقية في جنوبي اليمن وفي عدن والتي ما زالت تحن إلى الماضي القريب، إلى أيام الانفصال تدعو الرئيس اليمني إلى ترك صنعاء وإعلان عدن عاصمة جديدة للبلاد.

هل لنا أن نذكر عبر هذه الأحداث التي تضرب اليمن، فتخضع عاصمته لقوى الأمر الواقع، بما جرى عندنا في لبنان يوم 7 أيار 2008 المشؤوم؟ عنما لم تكتف قوى الأمر الواقع عندنا باحتلال وسط العاصمة طيلة شهور طويلة وتشل الوسط التجاري والقطاع السياسي في بيروت، بل تحت ذريعة نقل موظف مسؤول في مطار بيروت من مركز إلى آخر جرى اجتياح مناطق واسعة من العاصمة واحتلال مبان صحافية وإذاعات وشبكات تلفزيونية، بل طاول التهديد منازل مسؤولين كبار. لا بل امتد الحريق الفئوي إلى الجبل مما هدد بحرب أهلية شاملة عندنا. وتماماً كما حصل في صنعاء جرى عقد اتفاق تسوية في الدوحة، مما مهّد لانتخاب الرئيس ميشال سليمان آنذاك. فالأسلوب واحد والنهج واحد ذلك أن قوى الأمر الواقع المتمثلة بحزب الله عندنا، بعد تقديمها تنازلات نسبية موقتة، ما لبثت فيما بعد أن أطاحت بفضل بدعة الثلث المعطّل وحلفائها بحكومة الرئيس سعد الحريري الوطنية الوفاقية.

وتماماً كما تم تحت ضغط السلاح المجيء بحكومة الصناعة الأسدية آنذاك، فإن الميليشيات الحوثية تسعى لفرض حكومة جديدة في صنعاء تخضع لمشيئتها ولإرهاب السلاح. فالحوثيون يوقعون اتفاقاً نظرياً في صنعاء، لكنهم يتابعون زحفهم نحو الحديدة واضعين اليمن بأسره على فوهة بركان الحرب الأهلية المذهبية. وكذلك حزب الله عندنا، فبعد توقيعه على إعلان بعبدا الناصّ على عدم زجّ لبنان في الصراعات الإقليمية، فقد ذهب بعيداً جداً عندما راح يتورّط في الحرب المستعرة في سوريا. فمن تصحيح جغرافية حدودنا مع سوريا، إلى مزاعم حماية المقدسات، إلى وجوب الدفاع عن نظام بشار الأسد والحؤول دون سقوطه، دخل حزب الله في صراع مذهبي واقتتال داخلي في سوريا لم يوصله إلى ضواحي حلب فحسب، بل ساهم باستدعاء واستنفار ردود فعل مذهبية، أفرزت من رحمها واستولدت «داعش» التي لا تعاني من جرائمها وأعمالها البربرية سوريا والعراق فحسب، بل وصلت نيرانها إلى لبنان.

أليس حرياً بحزب الله مساهمة منه في إيجاد حل سريع لمشكلة عرسال وتداعياتها الخطيرة، أن يعمد لسحب قواته من سوريا، ويقطع الطريق عملياً على «داعش» و«النصرة» ويسقط من أيدي هؤلاء الذرائع للدعوة إلى الانتقام المذهبي. تماماً كما أن المطلوب من طهران الكف عن التدخل في شؤون اليمن والتوقف عن بث الروح المذهبية، وذلك للحؤول في الحالتين، أي في لبنان كما اليمن، دون وقوع الاقتتال المذهبي وتداعياته المدمرة.