كلما تطرح فكرة الفدرالية لمعالجة الخلل في النظام السياسي، وكلما تطرح اللامركزية الموسعة ومن ضمنها اللامركزية المالية لمعالجة الخلل الإداري والضريبي، تتصاعد أصوات «الوحدويين» مستنكرة هذه الطروحات ومتهمة أصحابها «بالتقسيميين الإنعزاليين الصهاينة»علماً أن «الوحدويين» هؤلاء ومن يؤيدهم تزلفاً هم في الحقيقة من عتاة التطرف الديني والمذهبي ولو حاولوا الظهور بغير هذا المظهر، وانطلاقا من نزعة التطرف هذه يرفضون كل الحلول الفعلية.
هذا الواقع هو ذاته ينطبق على هؤلاء «الوحدويين» الرافضين لأن يكون لبيروت أكثر من بلدية، هؤلاء يريدون لبيروت أن تكون لها بلدية من لون طائفي ومذهبي واحد، وأن تكون هذه البلدية أداة في يد فريق سياسي أو أكثر يستخدمها لمصالحه الخاصة وينفق أموالها وفق أهوائه ورغباته ومصالحه، لا وفق عدالة التطوير والإنماء وتجميل المدينة بكل أحيائها والحفاظ على بيئتها، والمفارقة أن هذا الفريق «الوحدوي» شكا أكثر من مرة من أداء بلدية بيروت ولكنه يقبل بأسوأ أداء ويرفض أي حل يخرج البلدية عن طوعه.
إن قيام أكثر من بلدية في بيروت هو مفتاح تطوير وإنماء هذه المدينة، وفتح باب المنافسة على كل ما هو في مصلحة أهلها وسكانها، والقدرة على محاسبة المسؤولين عن كل بلدية في العاصمة على قاعدة النجاح والفشل وليس على قاعدة «امسحها بالهالدقن» و»هيك بدو المعلم او الحزب او التيار».
ولهؤلاء «الوحدويين» نقول عددوا لنا الإنجازات التي قامت بها بلدية بيروت الواحدة، وعددوا لنا كم من مرة أثير في وجهها العديد من القضايا بشبهة الفساد وهدر الأموال، وحدثونا عن أداء الأجهزة البلدية ما قبل الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ وما بعدهما، علما أننا نعلم جيداً أن الكثير من المسؤولين في البلدية لديهم النية والعزم على العمل وأن لا طاقات ولا قدرة لديهم لتمكينهم من تنفيذ ما يحلمون به وهذا سبب آخر من أسباب الدعوة لقيام أكثر من بلدية في بيروت.
أكثر من بلدية في بيروت لا يعني بالضرورة العودة لما كان يعرف في خلال الحرب «شرقية وغربية» ولا يعني قيام خطوط تماس ومتاريس، فجغرافيا العاصمة تسمح بقيام أكثر من بلدية يمكن أن تكون مختلطة بين مسيحيين ومسلمين، فما الذي يمنع مثلاً أن تكون منطقة المدور مع المرفأ وعين المريسة ورأس بيروت في بلدية واحدة، وما الذي يمنع مثلا أن تكون الأشرفية والرميل مع المزرعة في بلدية واحدة أيضا؟
ليس في تركيبة دماء «الوحدويين» ما يختلف عن تركيبة دماء «التقسيميين» ولكن الفرق في أن «التقسيميين» خرجوا من قوقعة التفكير الروتيني والمتحجر وذهبوا باتجاه تفكير براغماتي ينهي المشاكل أو يقلصها إلى حد كبير ويعيد للمدينة رونقها ولسكانها وأهلها صورة أجمل عواصم الشرق.