%40 من النشاط الإقتصادي في العاصمة بقبضة النازحين
هي حكاية إبريق الزيت تتكرّر. العنوان: بيروت. القصّة: نازحون ومواطنون. النتيجة: قتل واعتداء وسرقات ومخدّرات وغرباء باتوا يخالون أنهم أهل البلد، وأهل بلد يدفعون، كيفما نظروا، فواتير باهظة في كلِ الإتجاهات. هنا بيروت، هنا بلدية بيروت، هنا حرس بلدية بيروت الذين خسروا رفاقاً آخرهم: حسن يوسف العاصمي. والبارحة، منذ أيام، كادوا يخسرون سمعةً. لا، عناصر حرس بيروت ليسوا عنصريين، والعنصر علي مشيك ليس قاتلاً، وحال البلد ليست أبداً بخير، والأشرفية، كما طريق الجديدة، قررتا: نحن خطٌ أحمر. فلنذهب إلى بلدية بيروت الغارقة بالقلق على عاصمة تصرّ على الصمود.
الشرطي البلدي علي مشيك موقوف لدى مخابرات الجيش اللبناني. هو متهم بأنه «فركش» دراجة نارية كانت تحاول الهروب من دورية فتزحلقت وقضى راكبها. كان سورياً وكان يمكن أن يكون من أي جنسية أخرى. مات. فهل تقصّد مشيك عملية القتل؟ وإذا كان الموت سببه حقاً «فركوشة» من مشيك فماذا عن الرصاص الذي اخترق صدور عشرات اللبنانيين عن قصد من سوريين؟ هذا ليس معناه طبعاً أن جميع السوريين قتلة وأن جميع اللبنانيين أبرياء. لكننا في لبنان، فهل يحترم الغريب لبنان وأهل لبنان؟
في اليومين الماضيين، تناقل اللبنانيون عشرات الرسائل الصوتية أطلقها سوريون في حقّ أهل البلد أقل ما يُقال فيها أنها: قليلة الأدب. ثمة مشكلة حقيقية، دوامة خطيرة، يعيشها اللبنانيون ويستشعر فيها كثيرون بدأت تتفلت من كل الأيادي. نواب بيروت، بمختلف إنتماءاتهم، قالوا وكرروا: بيروت خطّ أحمر. نائب الأشرفية غسان حاصباني سبق وقال: لا مزاح تجاه ما يحصل. إيلي شربجي، المسؤول عن منسقية بيروت في القوات اللبنانية كرر: الاشرفية خط أحمر. ثمة بيان شديد اللهجة صدر أول البارحة عن القوات اللبنانية في هذا الإتجاه. فلماذا نراها أمّ الصبي؟ يجيب شربجي: «لأن أهل بيروت أعطوا القوات اللبنانية الثقة الكبيرة ونحن مؤتمنون على ذلك وواجبنا الحفاظ على أهل المدينة وأمنهم».
قصدنا قلب بيروت، باتجاه بلدية العاصمة، للسؤال عن «بكرا»: وماذا بعد؟
إلى البلدية
الباصات التي تُخوّل ركابها مشاهدة بيروت city sight seeing مركونة جانب جامع محمد الأمين. نمرّ أمامها. هي فارغة بعدما بات مصير بيروت، بالعينين المجردتين، يقترب لوناً من الأسود. لا أجانب ولا عرب. والسوريون باتوا يعرفون البلد وأسرار البلد أكثر من لبنانيين كثيرين. نتابع طريقنا في اتجاه بلدية بيروت. خربشات جديدة دونت على عجل على الحيطان: لا تسرق آثارنا يا سمسار. العمل جار في حديقة سمير قصير. نقترب أكثر ونسأل العمال وهم من الجنسية السورية: ماذا تفعلون؟ يجيب أحدهم: نحن نزرع، مع إقتراب شهر آذار، نبتة Ficus بطلبٍ من سوليدير. نشكرهم على المعلومة. نشكر السوريين الذين يزرعون ونتابع نحو بلدية العاصمة للسؤال عن السوريين الذين يقتلون ويسرقون ويروجون المخدرات.
عند مدخل مبنى البلدية صور للشهيد العنصر في حرس بيروت حسن يوسف العاصمي. دمه لم يجف بعد. نلقي التحية وننتظر في غرفة المقدم هيثم فياض. هو ليس في المكتب. وهناك عاملان ينجزان الأعمال الكهربائية. يحاول أحدهما المرور من امامنا فيطلب بلهجة سورية: بدي عدّي. السوريون باتوا في كلِ مكان حتى في عقر دار البلدية. نسمع من يهمس لنا وكأنه شعر بالإستغراب الذي لمسنا: «إنهما يملكان إقامة. نحن نميّز بين شخص تحت القانون وشخص فوق القانون». ممتاز. فلنتابع.
في الطبقة الثالثة، يقع مكتب محافظ مدينة بيروت مروان عبود. زواره كثر. المحامي وديع عقل خرج للتوّ. مارك طربيه، رئيس جمعية فرح العطاء، وصل للتوّ. المهندس راشد سركيس وصل وانتظر فغادر غاضباً. المحافظ حين عرف بذلك غضب أيضا على مساعديه لأن الرجل يخدم بيروت، ويتابع أحوال مبانيها، وكان يفترض إدخاله فوراً. ننتظر قليلا بعد ونتسلى بقراءة أسماء من شغلوا منصب محافظ بيروت منذ العام 1936: كامل عباس حميه. نقولا رزق الله. جورج عاصي. فيليب بولس. إميل يني. شفيق أبو حيدر. يعقوب الصراف، بشور حداد، نقولا سابا، نايف معلوف، ناصيف قالوش، زياد شبيب، مروان عبود. يُنهي المحافظ عبود لقاءً وندخل – بدون موعد – الى لقائه. والسؤال الأول: بيروت – كما كل لبنان – منهكة من تجاوز كثيرين من الغرباء كل الحدود فيها. فهل عليكم قرع ناقوس الخطر؟ يجيب عبود: «بيروت مدينة مفتوحة تضم مخيمات على كتف مخيمات أصبحت مليئة بنازحين سوريين أكثر من الفلسطينيين. وهناك شوارع في بيروت يستأجر فيها الإخوة السوريون بيوتاً بأسعار باهظة تعصى على اللبنانيين. وهذا ما جعل ابناء بيروت، خصوصاً أبناء الأحياء الفقيرة، غير قادرين على إيجاد سكن فاضطروا الى ان يغادروا بيروت. المواطنون الأصيلون يبتعدون عن العاصمة لمصلحة النازحين السوريين. أكثر من ذلك، قطاعات بأمها وأبيها ما عادت بأيدي اللبنانيين والبيارتة وبينها تجارة الخضار ومحلات المأكولات الجاهزة وتوزيع المأكولات وصالونات تزيين الشعر. إرتفعت إيجارات المحال التجارية في بيروت كثيراً وما عادت بمقدور اللبنانيين. أستطيع ان اقول ان اللبنانيين باتوا عاطلين عن العمل. ومستوى الأمان ليلاً في بيروت تراجع. وهذا كله ناتج عن إنهيار مؤسسات الدولة».
أخذتم قراراً. طلبتم من شرطة بلدية بيروت النزول على الأرض وتوقيف المرتكبين والمتسللين والعابثين. فهل أخطأتم؟ يجيب عبود: «أتى تكليف من الداخلية الى كل البلديات في لبنان. على الحرس البلدي والشرطة البلدية مساعدة الأجهزة الأمنية على التعامل مع ملف النازحين لناحية إحصاء عددهم وسكنهم ولناحية إقامة حواجز ليلية لمنع عبور الدراجات، خصوصاً أن قسماً كبيراً منهم لا يحوزون أوراقاً ثبوتية ودراجاتهم مسروقة وينتقلون عبرها ليلاً يمارسون أعمال السلب والمخدرات وسبق ان أوقف فوج الحرس بعضهم مدججين بالسلاح ويحوزون مخدرات وسلمناهم الى الأجهزة الأمنية. وسقط لنا شهداء ونتجت إعاقات في صفوف الحرس. هؤلاء في رقبتنا. فوج الحرس يدفع فاتورة غالية. عدد عناصر الفوج كان 600 لكن حدث شغور في وظائف البلدية. هناك مئة وخمسون عنصراً حولناهم الى البلدية ليشتغلوا مكان الموظفين الذين خرجوا على التقاعد ولم يتم تعبئة هذا الشغور. حولنا 150 عنصراً الى العمل المدني».
فعليا، هناك 82 مقراً ومركزاً نحرسها بشكل مستمر في بيروت. ومن أجل توفير ثلاثة حراس لكل مقرّ، بدوامين مختلفين، نحتاج الى عدد اكبر من العناصر الموجودة. المقار التي نحرسها بشكل دائم هي الحدائق العامة وحرش بيروت ومعمل الفرز في الكرنتينا والمقار البلدية والقصر البلدي. هناك دائما نقاط حراسة ثابتة في هذه المقار. وهذا يتطلب عناصر لوجستية. اضافة الى ذلك، هذا الفوج في السابق لم يتم تجهيزه، لا سيارات، لا عتاد، لا بزات منذ اربعة اعوام، لا رينجرات (أحذية)، لا كلبجات يستخدمونها حتى إذا أوقفوا أحداً، لا غرفة عمليات لديهم، لا طبابة». لكن، هل أخطأت حين استجبت الى قرار الداخلية بإشراكهم بالمهام الأمنية؟ يجيب: «نعرف ان عملنا محفوف بالمخاطر واننا نعمل باللحم الحيّ. حين نقرر تنفيذ المهام لا نقول على شيء: لا. كل بلديات لبنان شاركت، كما ترين، بالإضراب إلا نحن. كل إدارات الدولة أقفلت إلا بلدية بيروت. نحن نعمل كأننا إخوة. عناصر فوج الحرس لا يتعاملون معي على أنني محافظ وهم عناصر حرس. أعاملهم وكأنهم أولاد لي وإخوة. علي مشيك الذي اعتقل منذ يومين هو مثل ابني وأخي. ووالدته أقبل يدها. هذه العلاقة الإنسانية بيننا تجعلهم يندفعون ويعملون حتى بلا رواتب وطبابة. يعرفون انني دائماً الى جانبهم».
تبخّرت الدرّاجات
العنصر في حرس بلدية بيروت علي مشيك برأي المحافظ مروان عبود ليس مجرماً؟ يجيب: «أثبتت الكاميرات أنه لم «يلبط» الزلمي، حتى لدرجة أن معلومات وصلتني – لا اعرف بعد دقتها – ان الدراجات لم تعد موجودة. فليبرزوا الدراجات وليأخذوا بصمات علي مشيك. اختفت الدراجات للأسف. من اول «تكة» أطلقت اشاعة ان علي مشيك «لبط» الرجل وانتشرت الإشاعة مثل نار في الهشيم. وحتى القضاء أخذ فيها. بمعنى أنه لم يدقق في المعلومات. أطلقوا إتهاماً باطلاً ومشوا به وكأننا ضربناه بالآر بي جي. مشيك عسكري خرج في دورية على الطريق فهربوا منه. فماذا يفعل؟ يختبئ هو ويتركهم يفعلون ما يشاؤون؟ لم يضرب أحداً. لم يستخدم سلاحاً. فأين الخطأ الذي ارتكبه؟ وإذا تعاطينا بسلبية فأي عنصر سيخرج بعد لحماية العاصمة من كل ما تشهده من تجاوزات؟».
…الفعَلَة قليلون
هل تسرعت القوى الأمنية التي اوقفته؟ نحن تحت القانون. ونثق بالقضاء لكن في الآخر، لماذا هرب من امامنا؟ شو نحن نأكل الناس؟ 40 في المئة من النشاط الاقتصادي في بيروت يسيطر عليه سوريون. ولا يدفعون ضريبة ولا يملكون إجازات عمل. يعني هؤلاء اخوتنا لكن ليس لهذه الدرجة. اصبح هناك تفلت. نحن إذا كنا نحبهم فعلينا أن نعاملهم مثلما نعامل أنفسنا. اللبنانيون أنفسهم لا يمكنهم أن يفتحوا محلا من دون تصريح. لكن هل علينا ان نعاملهم افضل مما نعامل أنفسنا؟ أنا هنا أطرح على نفسي علامة استفهام».
بيروت تحتضر. هذا ما قاله محافظ بيروت ويستطرد «بيروت تحب الحياة على الرغم من كل شيء». ماذا عن محال المخدرات في بيروت؟ من يهرب من حاجز هناك سبب ليفعل ذلك. وهناك دراجات كثيرة اوقفناها وجدنا فيها مخدرات. ماذا عن المطاعم التي تسمح بتلك الموبقات؟ يجيب: «نحن ندقق بها لكن الحصاد كبير والفعلة قليلون».
يبقى سؤال، هل نزل البارحة وأول البارحة وهل سينزل شباب فوج حرس بيروت الى الأرض؟ يجيب محافظ بيروت: «نحن تريثنا قليلاً لنرى كيف نحسن تجهيزاتهم ونعد خطة جديدة لأنني لا اريد ان يتكرر اي حدث، ولا ان يموت منا ولا ان يموت من الإخوان السوريين. مسلسل الدم لا نحبه».
نعود الى الأشرفية، الى إيلي شربجي لسؤاله، ما إذا كان بحوزته، كمنسق مكتب القوات في الأشرفية، أرقام عن عدد السوريين في المنطقة؟ يجيب: «العدد في بيروت الأولى ليس كبيراً ويتركّز في تجمعات في أحياء بينها كرم الزيتون والمدور والبدوي. ونحن نعمل مع المخاتير لحثّ الناس على عدم تأجير البيوت الى غرباء. أما العدد في بيروت الثانية فأكبر بكثير. ويستطرد: نحن جميعا أعلناها: بيروت خط أحمر. وسنتابع الموضوع حتى تحقيق الأمن في بيروت».