Site icon IMLebanon

بلدية بيروت: السلطة تنافس المجتمع المدني!

«حركة الشعب» تنسحب.. و«حزب الله» يدرس المقاطعة

                                   بلدية بيروت: السلطة تنافس المجتمع المدني!

أسبوعان فقط يفصلان اللبنانيين عن الانتخابات البلدية. انتخابات، صارت الثقة بإجرائها أكبر، وإن كان أحد لا يضمن كيف ستتطور الأمور خلال الأيام المتبقية للاستحقاق. الأكيد أن هامش المناورة من قبل السلطة صار أضيق، ومن يريد التأجيل، سيصطدم بعدم وجود سبب وجيه يوفر عليه «وجع الرأس».

بعد الكثير من التوجس والقلق، بدأت حماسة الناس ترتفع. ويمكن القول بعد طول انتظار إن المدن والبلدات اللبنانية دخلت فعلاً في حمى الانتخابات، مستعيدة أجواء الديمواقراطية، التي كاد اللبنانيون ينسونها بعد سلسلة التمديدات التي طالت المجلس النيابي.

بيروت، تبقى عاصمة الاستحقاق. ومعركتها تأخذ طابعاً سياسياً حاداً، وإن كانت الكلمة الفصل فيها تبقى لتيار «المستقبل». ثمة من يرفض هذه الحصرية ويؤمن أن بالإمكان كسرها. «بيروت مدينتي» شكلت، بهذا المعنى، صدمة إيجابية للشارع البيروتي، الذي رأى فيها خطوة مشجعة تكسر احتكار السلطة للتمثيل البلدي فيها، بوجوه شابة بعيدة عن التقليد ولا تشكل استفزازاً لمؤيدي أحزاب السلطة، بل تسعى للعب على وتر العائلات. لكن يعيب عليها المعارضون الآخرون ترفّعها عن دنيا السياسة، بما يجعلها تجربة معزولة عن الواقع اللبناني، فيخشون أن تتكرر معها حالة «طلعت ريحتكم» التي ظلت تواجه التسييس حتى اندثرت.

المعارضون للائحة السلطة كثر. وآمالهم بالفوز عليها، كانت في البداية كبيرة، مراهنين على إمكانية الائتلاف بوجهها، تحت عنوان كسر أحزاب السلطة الساعية للحفاظ على مصالحها، التي جعلت الأبنية الأثرية مجرد عوائق أمام الصفقات العقارية، وبحرها ملكيات خاصة وشوارعها مرائب ضخمة للسيارات..

في السياسة، برزت مؤخراً حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، التي تشكلت بهدف مواجهة مشروع السلطة من خلال تقديم «صيغة بديلة عن التبعيّات المفروضة والمأزومة». وفيما يرسم اسم الوزير السابق شربل نحاس ملامح الحركة الفتية وأفقها كأحد وجوه مواجهة السلطة، فقد جاء ترشحه لانتخابات بلدية بيروت مع ثلاثة مرشحين آخرين (غادة اليافي، ياسر الصّاروط، جورج صفير)، بمثابة إقران الفعل بالقول، والإعلان على الملأ أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بمنطق «الشِلل المغلقة»، ولم يعد بالإمكان السماح للسلطة بمحاصرة المواطنين في طوائفهم، ولم يعد بالإمكان البقاء في منطق الانهزام والتسليم «ويدركون ضرورة تعديل ميزان القوى وجدول أعمال الحياة العامة».

«حركة الشعب» التي سبق وأعلنت أنها تسعى إلى تأليف لائحة معارضة للائحة السلطة، تسلل الإحباط إلى كوادرها، بعد أن أعلنت «بيروت مدينتي» لائحتها المكتملة، وبعد أن أعلنت «مواطنون ومواطنات في دولة» مرشحيها. وبالنتيجة، فقد صار احتمال الانسحاب من الانتخابات كبيراً، انطلاقاً مما سبق وأعلنه المرشح ابراهيم الحلبي من أن الحركة تسعى إلى التوافق بين القوى المعارضة، تأسيساً لمعركة جدية وفاعلة في وجه السلطة. أما وقد تشرذمت قوى المعارضة، فإن الحركة لا تبدو في صدد الدخول في معركة تحديد أحجام. وهي على الأرجح ستعلن انسحابها من الانتخابات عند نفاد المهلة التي قدمتها لإنجاز التوافق، بعد يوم غد (تاريخ إقفال باب الترشيح).

بالنسبة لـ «بيروت مدينتي»، فإن حماسة مرشحيها، تجعل أعضاءها يتفاءلون بإمكانية تحقيق الفوز. فالإحصاءات التي أجريت مع بداية المعركة، وترجح فوز لائحة السلطة فوزاً كاسحاً، لم تعد صالحة بعد إعلان اللائحة. وفيما تردد أن الرئيس سعد الحريري اتصل بالمرشح على اللائحة الفنان أحمد قعبور مباركاً ومرحباً بالخطوة، كان لافتاً أيضاً دعم وائل السنيورة ابن الرئيس فؤاد السنيورة للائحة علناً، ما أحدث ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وفيما خرج بعض الأصوات التي تربط بين «بيروت مدينتي» ولائحة السلطة، كانت «بيروت مدينتي» حريصة على نبذ هذا الاتهام من خلال الترشح إلى الانتخابات بلائحة كاملة، «حتى لا يقال إن هنالك تنسيقاً مع أحد».

على ضفة السلطة، ومع اقتراب موعد الانتخابات، انخفضت السقوف العالية التي كانت بعض الجهات المسيحية تتمسك بها. وصار إعلان اللائحة مسألة ساعات، كما أعلن الرئيس سعد الحريري، أمس، أمام العائلات البيروتية.. إذا لم يطرأ ما يطيّر الاتفاق بين القوى المسيحية.

لكن حتى مساء أمس، كان الجميع يبدي تفاؤله بالوصول إلى اتفاق. وقد أبلغ الوزير ميشال فرعون «السفير» أن الاتفاق قد حصل فعلاً ويقضي بتمثيل كل طرف مسيحي بعضو واحد («التيار الوطني الحر»، «القوات»، «الكتائب»، «فرعون»، «الطاشناق، «الهانشاك»، «المستقبل»، بالإضافة إلى نائب الرئيس الذي اختاره المطران الياس عودة)، على أن يبقى أربعة يمثلون المجتمع المدني.

وفيما كان «المستقبل» يرفض مرشح المطران عودة إيلي أندريا، كونه كان موظفاً في البلدية، وكان يتبع إدارياً للمحافظ، إلا أنه اضطر أخيراً للسير به، بعد إصرار من عودة.

وقد سعت أحزاب السلطة بخطوتها إلى ضرب عصفورين بحجر واحد: إيجاد تسوية مشتركة بين الجميع تنهي الخلاف الذي كاد يفجر التوافق، وقطع الطريق على الحماسة البيروتية للائحة المجتمع المدني. علماً أنه يفترض، بحسب فرعون، أن يتم التوافق على المرشحين الأربعة بين الجميع، أو بشكل أدق إعطاء حق الفيتو للجميع. وهي خطوة، تعني عملياً تفريغ مبادرة تمثيل المجتمع المدني من مضمونها.

في المقابل، وإن كانت مصادر «التيار الوطني الحر» تؤكد أن الاتفاق صار قريباً، إلا أنها تنكر الوصول إلى صيغة تقضي بتمثيل كل طرف بعضو بلدي واحد. وهي إذ تتحفظ على الصيغة التي تم التوصل إليها «خوفاً على الاتفاق الهش» لكنها تكتفي بالإشارة إلى أن حصة «التيار» لن تقتصر على مرشح واحد (تردد أن حصته سترسو على مرشحين، يكون الثاني وديعة في كوتا المجتمع المدني).

وبعيداً عن أسماء المرشحين المسيحيين التي لم تُحسم كلها بعد، فقد ظلت الأسماء الثمانية للمرشحين السنة بدون أي تعديل (جمال عيتاني، حسن كشلي، سعيد فتحة، عدنان عميرات، يسرى صيداني، هدى الأسطى، بلال المصري ومرشح «الجماعة الإسلامية» مغير سنجابة).

درزياً، حسم الحزب «الاشتراكي» اسم مرشحه باكراً، فاستبدل نسيب ناصر الدين بالمرشح رامي الغاوي. أما بالنسبة للأسماء الشيعية الثلاثة، فقد أبلغ «المستقبل» حركة «أمل» رغبته الإبقاء على الأعضاء الحاليين فادي شحرور («أمل») عماد بيضون (العائلات) وخليل شقير («المستقبل»). لكن «حزب الله» لم يعط موقفاً من الطرح، كما أنه لم يسجل أي اتصال مباشر بين «المستقبل» وبينه. علماً أن الحزب لم يتخذ أي قرار بشأن الترشح أو عدمه. وفيما ما يزال الموضوع قيد الدرس، فإن احتمال المقاطعة يبقى مطروحاً، علماً أنه في حال طرأ أي جديد، فإن الماكينة التي تحضّر لمعركة المختارين ستكون جاهزة لخوض الانتخابات البلدية.