IMLebanon

«بيروت مدينتي» فسحة أمل

أطلقت لائحة «بيروت مدينتي» للانتخابات البلدية شعاراً يقول: «صمتُكَ صوَّتْ ضِـدَّك». هو شعار موجه الى الناخب الذي درج على الامتناع عن المشاركة في العملية الانتخابية إما عن تقاعس أو عن إحباط.

هو دعوة للأكثرية الصامتة التي بلغت، في انتخابات سابقة، نسبة تقارب 80% من عدد الناخبين، للخروج عن صمتها. ولتذكيرها بأن امتناعها عن الاقتراع يمهِّد الطريق لوصول من لا ترغب الى سدة المسؤولية. هو فعل إيمان بقدرة هذه الأكثرية الصامتة، متى حزمت أمرها، على التغيير بالوسائل الديموقراطية.

كان يمكن أن يكون شعار «بيروت مدينتي» سؤالاً من ثلاث كلمات موجهاً الى الناخب، سواء كان من الأكثرية الممتنعة عن الاقتراع أم من الأقلية الناخبة: «هل أنت راضٍ»؟

هل أنت راض عن وضع عاصمة وطنك؟

عن المياه التي تذهب هدراً الى البحر، في حين أنك تستجدي حاجتك منها بوسائلك الخاصة؟ عن الكهرباء التي تدفع فاتورتها مرتين، عن فوضى السير والزحمة الخانقة التي تنغِّص يومك كلما انتقلت من حيّ الى آخر، وعن وضع الطرق إذا اعتمدت السيارة وسيلة للنقل أو وضع الأرصفة إذا اخترت المشي على الأقدام.

عن البحر الساحر الذي خصَّك به الخالق، والذي تحول بينك وبين ارتياده التعديات على الأملاك البحرية التي هي ملك لك، برخصة أو من غير ترخيص. ويريدون إقناعك بأن ولوجك الشاطئ يقتضي أكثر من مئة مليون دولار تؤخذ من مالك أنت.

وإذا استطعت الوصول الى البحر فإنك تسبح وسط أنواع من النفايات تملأ أنفك برائحتها، وتلوِّث جلدك بكل أنواع الأمراض.

وتطول الأسئلة الى ما لا نهاية، غير أن الجواب لا يمكن إلا أن يكون رفضاً قاطعاً لكل هذه الأوضاع والممارسات الشاذة التي تثير الغضب والاشمئزاز.

عندما سُئِلتْ نادين لبكي، المخرجة اللبنانية، العالمية الشهرة، المرشحة على لائحة «بيروت مدينتي»، عن سبب انخراطها في مثل هذه المعمعة، كتبت انها كمواطنة تعيش في بيروت أصبحت محبطة، حزينة، غضبانة وخائفة. خائفة على أولادها من نسمة هوا إذا فتحت الشباك. خائفة على ابن الجيران الذي يلعب بالطابة لأنه ليس هناك حديقة تستقبله. خائفة حتى من عقصة البرغشة. تضيف في جوابها الذي يستحق أن يُقرأ بحذافيره: «أصبحنا نعد للعشرة قبل ما نشرب نقطة المي. ونعد للمية قبل ما نكدش كدشة من السندويشة».

وتضيف أنها، مع مجموعة من الشباب والشابات، شمَّرت عن زنودها لأن القيادة السياسية فشلت بالتعاطي مع أمور الناس وقضاياهم. مجموعة متطوعة، نظيفة، مستقلة، ناشطة، تمد يدها الى كل الغضبى والمحروقين للعمل معاً، يداً بيد، لمحاولة إعادة بيروت المشوهة، الحزينة، التعبى الى بيروت «ست الدنيا» التي نحلم بها.

]]]

لقد جرَّبنا طوال السنوات الماضية اللوائح المعلَّبة، القائمة على المحاصصة بين الأحزاب السياسية وكبار الناخبين، فكانت النتيجة هذا الوضع المزري الذي وصلنا اليه.

واليوم، تُقدِّم مجموعة، منضوية تحت لائحة «بيروت مدينتي»، نموذجاً جديداً للعمل في الحقل العام. مجموعة مستقلة، تموِّل حملتها الانتخابية من مؤيديها في الداخل، لا تستعطي الدعم الخارجي، بعيدة عن الطائفية، تعدنا بالنهوض بالعاصمة من كبوتها على أساس برنامج مُعلن.

ليس مهماً أن تعرف الشباب والشابات في لائحة «بيروت مدينتي». ربما لم تسمع بأسماء الكثيرين منهم. يكفي أن كل واحد منهم آتٍ بخبرته وعلمه واختصاصه كي يتكامل مع رفاقه في خدمة بيروت.

إنها فرصة سانحة في ظل تفكك القوى السياسية التقليدية، ووسط الفضائح والصفقات التي تحيط بها، للخروج من النفق المظلم الى فسحة من الأمل اشتقنا اليها.

إنها مناسبة لتوحيد جهود المجتمع المدني وعدم الاستكانة، للنزول بكثرة الى صناديق الاقتراع في الثامن من أيار لإسقاط ورقة تعبِّر عن وجع مئات الآلاف من اللبنانيين الصابرين الصامدين وسخطهم. ورقة تعبِّر عن صرخة بوجه المتربّعين على عرش السلطة، لتقول لهم: «كفى».

كفى استعلاءً. كفى استخفافاً بمشاعر الناس.

وإيماناً بأننا نستطيع، معاً، أن نحدث التغيير المنشود الذي تستحقه بيروت ويتوق اليه اللبنانيون!

] (وزير ونائب لبناني سابق)