عندما قرّرت بلدية بيروت تقديم قسيمة شرائية لفقراء المدينة كانت قيمة ذلك المبلغ كافية للحديث عن «مساعدة اجتماعية». أمّا اليوم، وبعد خمسة أشهر، فلم تعد تلك القسيمة تسدّ «جوعة»، فيما ملفها لا يزال عالقاً في ديوان المحاسبة الذي يطلب من الفقراء وثيقة «فقر حال» تُثبت أنهم محتاجون
منذ خمسة أشهر، وفقراء مدينة بيروت ينتظرون خبراً عن المساعدات الاجتماعية التي أعلنتها بلدية مدينتهم. منذ الإعلان، وأوراق تلك المساعدات تجوب من مكتب إلى آخر، من دون جواب نهائيّ بعد عن الموعد الذي يُفترض أن تصرف فيه مساعدة المليارات الثمانية التي من المقرّر أن تأتي على شكل قسائم شرائية توزّع على 40 ألف عائلة.
عندما أعلن المجلس البلدي عن «مبادرته»، كان الوعد بأن تُصرف الأموال «قريباً». مرّ عيد الفصح وبعد أيامٍ قليلة يأتي عيد الفطر، ولم يُحلّ بعد لغز «حجز النفقة» الذي لا يزال مثار جدل بين ديوان المحاسبة والمجلس البلدي. آخر فصول تلك السلسلة هو الكتاب الذي أرسله الديوان في السابع من الجاري يسأل فيه عن «طلب حجز الاعتماد» الذي لم يرِد بين الأوراق التي قدّمها مجلس بلدية بيروت من ضمن بنود الموازنة، إضافة إلى أمور أخرى لم يعمل المجلس على تأمينها، علماً أنها «من البديهيات»، بحسب المصادر.
في الشقّ المتعلّق بالنفقة الضائعة، يشير كتاب الديوان إلى «مشكلة تقنية» تعذّر معها إدخال موازنة المجلس البلدي وبالتالي حجز النفقة. وهو ما تؤيده مصادر في المجلس البلدي، لافتة إلى أن «دائرة التصفية في الإدارة لم تستطِع إدخال موازنة عام 2020 بسبب تخطّي بعض البنود، كبندَي المحروقات وساعات العمل الإضافية، السقوف الموضوعة لها». وتشير المصادر إلى أنه جرى تعديل بعض البنود لناحية تخفيف المصاريف، وأُرسل الملف إلى وزارة الداخلية والبلديات «التي وافقت على التعديل». لكن حجزَ النفقة ليس «التجاوز» الوحيد الذي ارتكبه المجلس البلدي. فبحسب كتاب الديوان، بدا المجلس عارياً ومقصّراً إلى حدّ الاستهتار: لا معلومات عن الأشخاص المستفيدين من المساعدات ولا حتى عناوين سكنهم، آلية توزيع مبهمة، عدم تحديد الشركة المُزمع التعاقد معها وإرفاق المستندات المتعلّقة بها من براءة ذمة ضمان… والأنكى من ذلك كلّه أن رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية، وهي الركن الأساس في الملف، لم توقّع على الملف!
غير أنّ هذه المسؤولية التي يتحمّلها المجلس ليس معفياً منها الديوان الذي كان في رقابته المسبقة «ملكاً أكثر من الملك»، وأشبه «بوضع العصي في الدواليب» في هذا الملف بالذات الذي يتعلّق بمساعدة الفقراء على ما يقول متابعون للملف. والحديث هنا عن إفادات فقر الحال، إذ يطلب الديوان من البلدية 40 ألف «وثيقة» تُثبت فقر الطالبين لقسيمة شرائية بقيمة 200 ألف ليرة لم تعد تسدّ اليوم «جوعة». والأنكى من ذلك، هو طلبه براءة ذمّة مالية وضماناً وإذاعة تجارية وكفالة حُسن تنفيذ لشركة لم تتعاقد معها البلدية! وفي هذا الإطار، تشير المصادر إلى أنه «لن يكون سهلاً على البلدية طلب مثل تلك التفاصيل من شركة نبادلها القسائم بالدين، فالبلدية لن تدفع المبلغ دفعة واحدة وإنّما بالتقسيط».
في هذا الملف بالذات الذي يتعلّق بمساعدة الفقراء يبدو الديوان أكثر تشدّداً
بالطبع، ليس المطلوب من الديوان التغاضي عن تلك الأوراق التي سيحجز بموجبها جزءاً من المال العام. لكن «ثمة ظروف اقتصادية ومالية تفرض الإسراع في تسيير ملف مساعدة إنسانية وليس مناقصة أو صفقة»، تقول المصادر التي تستغرب استنسابية تلك الرقابة، ففي وقت تمر ملفات بملايين الدولارات خلال أيام في الديوان كما في المجلس البلدي، ومنها على سبيل المثال «ملف الزينة» لجمعية «بيست»، يقف ملف مساعدة فقراء بقسائم شرائية جامداً منذ أسابيع، علماً أنّ كل تأخير يجعل المساعدة المقرّرة بلا قيمة فعلية. إذ أن ما كانت تشتريه الـ 200 ألف قبل خمسة أشهر لا تشتري ربعه اليوم. أضف إلى ذلك أن ما دفعه الفقراء لقاء تحضير ملفاتهم صار يساوي ما سيأخذونه اليوم في ظلّ أزمة فلتان الأسعار. وقد تصبح لا شيء، إذا ما تأخّر بتّ الملف أكثر. وبحسب المتابعين، فإنّ رئيس البلدية جمال عيتاني قصد ورئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية قبل يومين الديوان «والتقى رئيسه حيث ذللوا بعض العقبات»، وإثر تلك الزيارة «أرسلت البلدية جواباً وأرفقته بالتعديلات إلى الديوان، على أن ينظر فيه الأخير مطلع الأسبوع المقبل». وإذا ما وافق الديوان «يمكن القول إنه خلال فترة العيد ستُصرف المساعدات، خصوصاً أن البطاقات مطبوعة وجاهزة للتسليم». أما إذا لم يوافق فـ«الأكيد أن لا حلّ قريباً».