أعادت الفاجعة التي أصابت تركيا وسوريا إلى الأذهان المآسي التي عاشها اللبنانيون بُعَيد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وإن بدرجات متفاوتة، جرّاء اقتصار اضرار الترددات الزلزالية على بعض التصدعات البسيطة في الأبنية اللبنانية المتهالكة أصلاً… قبل أن تشخص الأنظار في الموازاة، إلى «الشاهد الصامت» وسط بيروت، ومدى تأثر ما تبقى من الأهراءات بتداعيات الهزات الإرتدادية التي طالت لبنان.
وتقاطعت مواقف أكثر من مصدر على أنّ الجزء الجنوبي الصامد حتى الآن من الأهراءات، لم يتعرّض لأيّ إرتدادات سلبيّة في الوقت الراهن لا سيما بعد الهزة، وقد حذّر المعنيون من إمكانية وجود أضرار في أساسات البناء المعلّق تقييم وضعه الهندسي منذ انهيار الجزء الشمالي في الذكرى السنوية الثانية على التفجير… ما دفع المعنيين إلى وضع تخلّف الحكومة عن القيام بالدراسة الهندسيّة المطلوبة وتدعيم الجزء الصامد، في سياق المخطط الممنهج لإستكمال إزالة ما تبقى من معالم التفجير، ليضاف إلى قائمة مخاوفهم من المسار الذي يمر به التحقيق القضائي في هذا الملف.
مواكبة الملف القضائي الهادفة إلى معرفة الأسباب الكامنة وراء تفجير المرفأ، ومحاسبة المرتكبين، لم تحدّا من إصرار الأهالي الهادف إلى المحافظة على «مقابر شهدائهم» التي باتت تعرف بـ»الشاهد الصامت» على جريمة العصر. ويندرج تركيز المواكبين لهذا الملف راهناً، على استكمال الأطر القانونية الكفيلة بالمحافظة على هذا المعلم، وإدراجه على لائحة التراث العالمي، حيث تنشط إتصالاتهم مع الجمعيات غير الحكومية التي تضع في سلّم أولوياتها المحافظة على المعالم التراثيّة في العالم، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتحقيق هدفهم، كما مطالبة المعنيين في لبنان بتحمل مسؤولياتهم وإزالة مخلفات الدمار والحبوب المتبقية في أرجاء الأهراءات وداخلها، والمباشرة بالدراسات المطلوبة لتدعيم المبنى، تجنباً لتكرار الحريق الذي أودى بالأهراءات الشماليّة.
ولا تقتصر خشية المطالبين بالمحافظة على الأهراءات، على تداعيات العوامل الطبيعية بل إن الريبة المرتبطة بقرار الحكومة وتعنتها في إزالة «الشاهد الصامت» أو ما تبقى منه، فاقمت من مخاوفهم، ، بعد الأخذ والرد الذي شهده هذا الملف على المستوى الحكومي والتضارب في مواقف المعنيين، جرّاء تراجع وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى، عن قراره الذي حمل الرقم 49/2022 والذي قضى بموجبه «إدخال أهراءات الحبوب القائمة في مرفأ بيروت في لائحة الجرد العام للأبنية التاريخيّة»، و»إعلان عدم جواز القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضعها الحالي إلا بعد موافقة وزير الثقافة المسبقة على الأعمال المراد إجراؤها والوسائل والمواد المنوي إستعمالها»، وفق ما نشر على المواقع العائدة لوزارة الثقافة في 19 آذار 2022. قبل أن تعمد الحكومة إلى القفز عن قرار الوزير مرتضى واتخاذ قرار الهدم بموافقة الوزير مرتضى أيضاً.
وترى «حملة الشاهد الصامت» أنّ أهمية قرار الوزير بإدخال الأهراءات على لائحة التراث الوطني، تشكل مدخلاً للخطوات التي تقوم بها من أجل المحافظة على «الشاهد الصامت»، وإدخاله على لائحة التراث العالمي، قبل أن تشير إلى عجزها عن الحصول على القرار الرسمي من الوزارة وعدم تجاوب المعنيين معها، رغم رفعها العديد من الطلبات الرسميّة في هذا الشأن.
في الغضون، وعلى أثر المراجعات التي تقدم بها المعنيون أمام مجلس شورى الدولة بهدف وقف تنفيذ قرار الحكومة القاضي بهدم الأهراءات، أعاد مجلس الشورى الكرة إلى ملعب الحكومة من جديد، طالباً منها إعادة توضيح قرارها النهائي بشأن الأهراءات بعد المستجدات التي لحقت بها بعد إتخاذ قرار الهدم، والتطورات التي أدت إلى انهيار الجهة الشماليّة منها، وما تلاها من مشاريع قوانين تم التقدم بها إلى المجلس النيابي من أجل اتخاذ التشريعات الكفيلة بحمايتها.
وإلى حين البتّ في هذا الأمر، وسط الشغور الذي يعيق إنتظام عمل المؤسسات، تتخوف «الحملة» من أبعاد تجاهل وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، الطلب الرسمي الذي رفعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى وزارة الأشغال للقيام بما تقتضيه الحاجة لتقييم الواقع الهندسي للأهراءات الجنوبية، والمحافظة عليها كمعلم يجسّد الذاكرة الجماعية لما حصل في 4 آب بعد انهيار الجزء الشمالي منها.
وتؤكد المهندسة نتالي شاهين، العضو في «الحملة» والتي تمثل 25 خبيراً في التراث، أنّ تقاعس وزارة الأشغال عن القيام بالدراسة الهندسية للأهراءات حتى الآن، وضعه الوزير في إطار غياب الميزانية المطلوبة أي 190 ألف دولار التي طلبتها شركة «خطيب وعلمي» للقيام بذلك. قبل أن يفاقم مخاوفهم، ربط الوزير حمية طلب شركتي CMA-CGM وCDR القيام على نفقتهما الخاصة برفع الحبوب المتبقية في الأهراءات وتنظيف محيطها تجنباً لإعادة إشتعالها، برفع جميع مخلفات التفجير في أرجاء المرفأ، ما أدى إلى فرملة إندفاعة الشركتين لتنظيف أرجاء الاهراءات وفق ما أوضحت شاهين، التي أكّدت قيام جهات معينة بمعالجة الروائح المنبعثة من مخلفات القمح في الأهراءات والإبقاء عليها في مكانها.
وفي سياق متصل، ورغم امتناع وزير الثقافة عن تزويد المعنيين بقراره القاضي بإدراج الإهراءات على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية، وجهت الحملة التضامنية لحماية اهراءات مرفأ بيروت رسالة الى المديرة العامة لمنظمة اليونسكو السيدة أودري أزولاي تطلب فيها ادراج موقع جريمة 4 آب على قائمة التراث العالمي بهدف حشد المجتمع الدولي من اجل حماية هذا الموقع، مدعمة طلبها بدراسة ووثائق تؤكد القيمة الانسانية والرمزية والمعمارية التي اكتسبها الموقع بعد مأساة انفجارالرابع من آب.
تضمنت الوثائق مواقف صادرة من العديد من المنظمات العلمية الدولية كمنظمة تراثنا العالمي OWH والإتحاد العالمي للمعماريين UIA واللجنة الدولية لتوثيق وحفظ معالم الحركة الحديثة Docomomo والمجلس العالمي للمعالم والمواقع ICOMOS والمركز الدولي لدراسة الحفاظ على الممتلكات الثقافية وترميمها ICCROM-SHARJAH التي سبق وتبنَت وجهة نظر الحملة بضرورة حماية موقع أهراءات المرفأ.