تحمل حركة الزوار الدوليين لبيروت هذا الاسبوع جرعة إنعاش لبلد يختنق بأزماته الفائضة المتدرجة من ” أسفل ” السلم في المشاكل اليومية الى أعلاه المتمثّل بأزمة الفراغ الرئاسي . وقد يكون هذا الإنطباع ” المنعش ” حيال إطلالات ارفع مسؤولين أوروبيين وأمميين لبيروت ناشئا عن شعور بِوَحشة لترك لبنان طويلا يتخبط منفردا في ما لم يعتده قبل هذه الأزمة ، وهو الذي كان يتباهى دوما بأنه شاغل العالم في سائر التجارب التي مر بها فاذا به منذ سنوات ” يفتقد ” هذه الميزة . كان للتجربة الموحشة ان ترتد عليه بأفضل مما تراءى لكثيرين من منطلق ان فئات لبنانية عدة غالبا ما نظرت الى التدخلات الدولية في الوضع اللبناني ، حتى في ما يتصل بتداعيات الحروب مع إسرائيل او المسائل السيادية والحدودية والقرارات الدولية الصادرة في شأنها بانها صنيعة مؤامرات ومصالح دولية لا تأتلف والمصالح اللبنانية العليا . لعبت هذه المعضلة دورا سلبيا كبيرا في معظم الحقبات التي سبقت الأعوام الخمسة الأخيرة التي شهدت انفجار الاعصارات في المنطقة وتركت بصماتها العميقة على بلد أخفقت قواه السياسية وطوائفه في صياغة مفهوم ثابت للدولة ومصالحها . ومع بدء اتضاح التطور الجديد في تعامل المجتمع الدولي مع لبنان بتركه ينصرف لقواعده الخاصة في معالجة الازمة الرئاسية، بدا الوسط السياسي اللبناني أمام تجربة نادرة لأخذ زمام التحكم بالأزمة بيديه بلبننة الاستحقاق بنسبة ساحقة. وإنه لأسف كبير ان يترنح هذا الاختبار السيادي ويذهب قدما نحو الفشل على مشارف بلوغ الأزمة سنتين من عمرها . ولكن المفارقة الأخرى التي لا يمكن تجاوز ابعادها ودلالاتها هي ان اللبننة لم تخفق وحدها بل صاحبتها ملامح إخفاق مدو آخر للتحكم الإقليمي بالأزمة انطلاقا من النتائج الماثلة حاليا في ما يتعلق بالنفوذ الايراني في لبنان او في الحرب الباردة الناشئة على المسرح اللبناني بين الدول الخليجية وإيران . وعلى رغم التفاوت في أحجام التأثيرات الاقليمية وطبيعة الدور الايراني الذي أثر بقوة في تعطيل الانتخابات الرئاسية فيما لا يزال الحكم على المواجهة الخليجية لإيران وحليفها اللبناني ” حزب الله ” صعبا وهي في مطالعها ، لا يمكن تجاهل طبقة جديدة من التعقيدات والمخاوف المتصلة بهذه المواجهة التي أضيفت على مجريات الأزمة الرئاسية . بذلك يغدو مصير رهانات قوى داخلية منذ بدء الأزمة على تحييد الرئاسة وعبرها لبنان على شفير الإنهيار أيضا ما دام التعطيل المديد للانتخابات الرئاسية استهلك مدة قياسية كانت كفيلة بتحويل الواقع اللبناني بؤرة تفجر للصراع الايراني الخليجي والعربي عموما . ولسنا من السذاجة لتصور رافعة دولية يحملها زوار يطلون على بيروت وتنتعش بحضورهم صورة العاصمة المستوحشة الى حدود جعلتها بالامس تفرح للبدء في إزالة النفايات من شوارعها !