IMLebanon

طريق بيروت تمر من صنعاء!

 

الحروب والتسويات على أرض العرب

 

مَنْ لا يذكر «الحربين الشهيرتين» في لبنان، اللتين سبقتا اتفاق الطائف، أو أديتا إليه، باعتباره الإطار – التسوية، التي أنهى حرب لبنان، أو حروب لبنان الداخلية..

الحربان هما: حرب «الإلغاء» وحرب التحرير بين «السلطة الدستورية»، ممثلة آنذاك بقائد الجيش، رئيس الحكومة العماد ميشال عون، وقائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

وفقاً لدوائر القرار، في مراكزه حول «العالم العربي»، وتطبيقاته في مواطنه حول العالمي العربي والإقليمي، كان يتعذَّر التوصّل إلى «تسوية لبنانية»، في سياق مشاريع تسويات، أو صفقات بين «لاعبين كبار»، ومتعهدين اقليمين، من دون «حرب الإلغاء» أو «حرب التحرير» أو كليهما معاً..

«فالقوة المسيحية» التي ناهضت التسوية، بمعنى تقديم تنازلات، في إطار تقاسم السلطة (وكان الطرف المسيحي هو المعني الأوّل، بتقديم هذه التنازلات) وناهضت «الدور السوري» بزعامة حافظ الأسد (رئيس سوريا (1970 – 2000) كان يتعين تفتيتها من الداخل، وليس بقوة الحديد والنار من الخارج.. وهكذا كان، ولا حاجة بعد إلى مزيد من التوضيحات أو الشروحات..

على ان المنطق يقضي بالتنويه، ان الغاية من هذه الفتنة، هو الكلام عن حرب اليمن، وخلفيات الحرب الدائرة، على هامش «حرب التحالف» بين قوتين تسيطران على صنعاء، وقاتلتا معا قوى «التحالف العربي»، وبالتالي فرض تسوية أو تفاهمات جديدة، في الداخل اليمني، ومع دول الجوار العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية ودول الخليج.

وبصرف النظر عن قوة «الجيوبوليتكا» لجهة «إتضاح التسوية، وإنهاء الحرب، فالمسألة، لم يعد ينظر إليها في «اطار ضيّق»، بل في إطار أبعد، يتصل، ربما، بتفاهمات على مساحة النقاط الملتهبة في آسيا الإسلامية، والتي تشمل آسيا العربية، وآسيا الصغرى، أو ما يعرف اصطلاحاً بنقاط التوتر في الشرق الأوسط..

هنا، يمكن للمراقب ان يجد رابطاً بين «حرب الزيود» في اليمن، «حركة أنصار الله الحوثية» والمؤتمر الشعبي برئاسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح.. الذي يجنح الآن إلى تسوية تنهي الحرب، وتوقف الحصار، برضى سعودي أو برضى من دول «التحالف العربي» الذي دخل حرب اليمن من باب «عاصفة الحزم» لدعم الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.. وبين التجربة اللبنانية، المفتوحة بدورها على «استمرار التسوية» أو تعديلها، في ظل العودة إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة، وفي النقاط الساخنة، من سوريا (تعثر جنيف – 8 أو فشله) إلى لبنان (التصعيد بهدف إخراج حزب الله من النزاعات العربية وسحب سلاحه) إلى اليمن (الحرب بين أنصار الله وعلي عبد الله صالح) فضلاً عن «عض الأصابع» بين «النمر الروسي) فلاديمير بوتين و«الثور الأميركي» دونالد ترامب، على أرض الميدان في سوريا، وصولاً إلى شبه القارة الكورية، وأنظمة الحمائية التجارية والتكنولوجية، وتقاسم حصص النفط داخل الشرق الأوسط وخارجه..

ثمة من يعتقد ان «حرب اليمن الجديدة» بين «الإخوة الأعداء» تفتح الباب لإنهاء الحرب والمأساة في «اليمن السعيد»، ومع النتيجة المتوقعة لمثل هذه النهاية، يمكن للتسوية اللبنانية ان تنجو بدورها من متاهة العودة إلى الباب الخلفي، والخروج عن السيطرة..

في الحسبات الكبرى،بدا للقوى الأجنبية ان لبنان، الدولة الخارجة، أزمات وحروب، هي الوحيدة الصامدة، على أرض، تمرُّ دولها بأزمات خطيرة، من تجارب وحروب وتدخلات أجنبية في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وتغرق شعوب هذه المنطقة في بحر من القلق الوجودي والمصيري، فضلاً عن البطالة، والفقر، ومواجهة الموت وفقدان الهوية والإنتماء.

والسؤال اللبناني: هل تفتح أحداث اليمن الجارية في صنعاء الطريق غير المتعرّج لتثبيت التسوية في بيروت، عملاً بالمعادلة التي يطيب للبعض ان يتغنى بها: الطريق إلى بيروت تمر بصنعاء!

في لبنان، رهان على هذه المعادلة، لا سيما وأن معالم الأزمة، عبَّرت على لسان مسؤولين كبار هنا وهناك، ان تدخل حزب الله في اليمن (وثمة من يقارنه بأنصار الله، أو يقارن أنصار الله به)، هو الذي أدّى بصورة مباشرة إلى استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض. إضافة إلى الصاروخ البالسيتي، وغيره من صواريخ بالسيتية.

مجرّد تحديد موعد لجلسة يعقدها مجلس الوزراء غداً، وعاد الرئيس سعد الحريري من باريس، ليدعو إليها قبل 48 ساعة، كالمعتاد، هذا يعني ان «تفاهمات ما» أنقذت تعثرات التسوية، بعد احداث صنعاء بين الحوثي وصالح، لمصلحة عودة الرئيس الحريري، رسمياً عن الاستقالة، وإنهاء التريث، بعدما أصبح «النأي بالنفس» هو البديل العملي، فعلاً لا قولاً..

النّاس في لبنان، تنتظر بيان مجلس الوزراء، والناس في لبنان تنتظر الانتظام العام، والعودة إلى «السكة الصحيحة»، تمهيداً لإجراء الانتخابات، التي وحدها، تحدّد الأحجام والأرقام، والخيارات، بعيداً عن أهواء الإقليم من نوائه؟!