ليس في مقدور أي طرف من الأطراف اللبنانية إنكار الجو الإيجابي الذي فرضه الحوار القائم بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، إنطلاقاً من تخفيف الإحتقان وتهدئة النفوس في الشارعين السنّي والشيعي، مروراً بمشاهد الإلتفاف الوطني لأبناء طرابلس وكل لبنان إثر الجريمة التي ارتكبت في جبل محسن، وصولاً إلى تفكيك «إمارة» سجن رومية، بعد وضع الأجهزة الأمنية يدها على تفاصيل عملية التفجير المزدوجة في أحد مقاهي جبل محسن.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر نيابية مواكبة للأجواء الحوارية القائمة بين «التيار الأزرق» و«حزب الله»، أن هذه الأجواء لا تزال تفعل فعلها في إطار إنتاج تفاهمات تؤدي إلى حماية الإستقرار اللبناني، وذلك على رغم الأجواء الأمنية السلبية التي يسعى البعض إلى تسويقها، وذلك بصرف النظر عن قدرتها على إنتاج تسوية حقيقية لكل الملفات الخلافية، والتي تنتظر تفاهمات إقليمية أوسع وأشمل. وأشارت إلى أن المناخ الإيجابي السائد في البلاد، مرشّح لأن ينقل الدولة من الحماس لبسط سلطتها إلى فرض هذه السلطة بقوة أجهزتها الأمنية بعد إنهاء «إمارة» المبنى (ب) في سجن رومية، لافتة إلى أن الدفع الذي أعطته عملية سجن رومية والتوقيفات والملاحقات إثر تفجيري جبل محسن، حملت السلطة إلى وضع ملف منطقة البقاع الشمالي على نار حامية بغية إعادة فرض الأمن فيه من جديد، بعد رفع الغطاء عن المخلّين بالأمن من قبل قيادتي حركة «أمل» و«حزب الله»، بحيث بات بإمكان القوى الأمنية التحصّن بالقرار السياسي الرسمي لإنهاء «الجزر الأمنية» في أي منطقة من المناطق اللبنانية، مشيرة إلى أن هذه الإنجازات الأمنية المتكرّرة ستجعل خطة العاصمة بيروت مطروحة ايضاً على جدول أعمال الحكومة لتحويلها مدينة منزوعة السلاح.
لكن هذا المناخ الإيجابي، تابعت المصادر نفسها، لن يتخطّى حدود الإطار المرسوم للساحة اللبنانية من قبل القوى الإقليمية والدولية المعنية بصراعات المنطقة، وبتعطيل الإستحقاقات الدستورية، وفي مقدّمها الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي. واعتبرت أن اي تقدّم فعلي يسمح بتوقّع خروقات كبيرة على مستوى الإستحقاق الرئاسي بشكل أساس، لن يتحقّق قبل بلورة نتائج المحادثات «النووية» في فيينا، ذلك أن عدم حصول أي تطوّر إيجابي على مستوى الملف النووي الإيراني، هو مؤشّر على أن الفراغ الرئاسي مستمرّ إلى موعد غير معلوم، وبصرف النظر عن كل المعطيات المحلية والإيجابية.
ومن جهة أخرى، تحدّثت المصادر النيابية نفسها، عن دخول عامل جديد إلى عناصر الأزمات والصراعات في المنطقة، وهو قد تكرّس في المرحلة الأخيرة بعد الهجوم الإرهابي على مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، موضحة أن موجة التظاهرات التي تشهدها العواصم الأوروبية على أثر هذا الهجوم، تشكّل رأياً عاماً متشدّداً تجاه الإرهاب في أوروبا، كما في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن هذا التشدّد سيترجم من خلال سياسة خارجية تتّخذ طابع المواجهة مع المنظّمات المتشدّدة في المنطقة، وفي سائر الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً. وأضافت أن من شأن هذا الواقع أن يعيد تسليط الضوء مجدّداً على ما تحقّق حتى الساعة من نتائج عملية بفعل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد الإرهاب، حيث أن الأصوات المعترضة على بطء التقدّم ستلاقي أصداء واسعة في المجتمع الدولي، خاصة أن هذا الأمر يتزامن مع فشل كل المحاولات الأممية والروسية لحل الصراع السوري بشكل سلمي، وعبر العودة إلى أفكار ومقترحات مؤتمري «جنيف1» و«جنيف2».
وانطلاقاً من هذه الوقائع، فإن المصادر ذاتها، توقّعت المزيد من التعقيدات في وضع المنطقة، في الوقت الذي يتحرّك فيه القادة اللبنانيون للحفاظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار الداخلي. وأكدت أن ما من جهة محلية، أو حتى إقليمية، ومهما بلغت قدراتها، أن تُحدث أي تحوّلات نوعية تنقل الواقع من ضفّة إلى ضفّة أخرى، فنقاط الخلاف كبيرة وهي مرتبطة بالتحالفات الإقليمية من جهة، ومعلّقة على المواقف الأميركية غير المستقرّة من السياسة الإيرانية، الأمر الذي يؤجّل أي تسويات كبرى على الساحة الداخلية.