Site icon IMLebanon

تساؤلات وإلتباسات في ساحات بيروت

 

ما يجري في شوارع بيروت وساحاتها من مواجهات عنيفة بين القوى الأمنية وجماعات من المتظاهرين، يُثير الكثير من التساؤلات والإلتباسات، حول دوافع من يقوم بأعمال التخريب والتكسير، ومدى علاقته بأهداف الإنتفاضة، ولمصلحة من إلحاق المزيد من الضرر بما تبقى من مؤسسات عاملة في وسط العاصمة، وتشريد المئات من الموظفين والعمال فيها.

 

الهدف المعلن للمتظاهرين هو إقتحام ساحة النجمة والوصول إلى مجلس النواب، ولكن ما جرى في الأيام الأخيرة، هو أبعد ما يكون عن الهدف المعلن، حيث عمد المتظاهرون إلى تخريب الساحات العامة، وتكسير واجهات المحلات التجارية، والتعدي على الأعمدة الأثرية وإستعمال حجارتها في رشق القوى الأمنية.

 

وسبقت أحداث وسط بيروت، مواجهات مماثلة في شارع الحمراء، حيث تحولت الوقفات الإحتجاجية على البنك المركزي، إلى عمليات تخريب وتكسير للمصارف وللأملاك العامة والخاصة، في شارع كان ومازال رمزاً وطنياً بإمتياز، من خلال نسيجه الوطني، السكني والتجاري، فضلاً عن أنه كان مقصد كل اللبنانيين، إضافة إلى كونه المقصد الأول للزائرين العرب والأجانب.

 

مع بداية هذه الأحداث الملتبسة، سمعنا أصواتاً من بعض المتظاهرين تُنادي بالتحول إلى العنف الثوري، وإعتبار مرحلة سلمية الثورة قد إنتهت، بعد مرور أكثر من ٩٠ يوماً على إندلاع الإنتفاضة الوطنية الشاملة.

 

لا شك أن السلطة العاجزة والمفلسة تتحمل المسؤولية الأولى عن التدهور الأمني الحاصل في شوارع بيروت، لأنها أضاعت ثلاثة أشهر في مماحكات سياسية فارغة، ومناورات فئوية وحزبية وشخصية ضيقة، ومارست أبشع أساليب الإنكار والإستكبار في التعامل مع الإنتفاضة الوطنية الشاملة، وعجزت عن إستيعاب أسباب الحراك الشعبي الواسع، ورفضت الإعتراف بالواقع الجديد الذي فرضته ثورة الشعب الغاضب.

 

ولكن عجز السلطة ومماطلاتها، وخلافات أطرافها حول المحاصصات الوزارية، وهذا التأخير المعيب في تظهير الحكومة العتيدة، لا يبرر بأي شكل من الأشكال حصول مثل هذه الممارسات الفوضوية والتخريبية في شوارع بيروت، بإسم الإنتفاضة السلمية والحضارية، وبحجة الإنتقال إلى مرحلة العنف الثوري.

 

من حق المتظاهرين أن يعبروا عن غضبهم على تجاهل السلطة لوجودهم في الشارع منذ ١٧ تشرين الأول، ولكن هل تكون «فشة خلق» الغاضبين بتخريب المؤسسات الخاصة والعامة، والتعدي على أملاك مواطنين ذنبهم الوحيد أنهم آمنوا بهذا البلد، وخاضوا مغامرة الإستثمار في محلات ومؤسسات أمنت فرص العمل لمئات من الشباب والعائلات؟

 

وفيما نجحت السلطة بوضع القوى العسكرية والأمنية بمواجهة أهلها، فقد أخفقت قيادات الإنتفاضة في السيطرة على حركة الشارع، ولم تستطع منع الإختراقات التي حصلت، ويعمل أصحابها على الإنحراف بمسار الثورة السلمي، والمغامرة بفقدان هذا الإستقرار الأمني الهش، بما يُفاقم الإنهيار الإقتصادي والمالي والمعيشي، وترك أطراف السلطة في غيّهم يتقاسمون الصفقات والمغانم.

 

لعل أخطر ما تواجهه الإنتفاضة الوطنية المباركة، هذا الإختراق الخبيث لصفوف الثوار، وتوظيف النتائج المهمة التي تحققت حتى الآن، وخاصة التصدع الذي أصاب هيكل السلطة إثر إستقالة «حكومة العهد الأولى» في الإسبوع الثالث للإنتفاضة، لمصلحة أجندات خارجية تفوح منها روائح الصراعات الخارجية، التي تحاول تحويل شوارع بيروت إلى ساحات لتصفية حساباتها، على نحو ما كان يجري في الأزمات وحروب الآخرين على الأرض اللبنانية.

 

ولكن المفارقة بين ما يجري الأمس واليوم، أن البلد لا يتحمل في هذه المرحلة العصيبة المزيد من التدهور الأمني، ومضاعفاته المكلفة على مختلف الأصعدة المعيشية والمالية، ولا يملك من القدرة ما يساعده على بلسمة جروحه السياسية والإقتصادية، في ظل هذه المقاطعة العربية والغربية للدولة اللبنانية، وحجب كل أنواع المساعدات والدعم عن البلد، بعد شيوع صيت الطبقة السياسية بالفساد والصفقات.

 

هل الإسراع بإعلان الحكومة العتيدة سيوقف إندفاعة العنف الراهنة؟

 

وكيف ستبادر الإنتفاضة إلى إعطاء فرصة للحكومة الجديدة ورئيسها؟

 

وماذا لو إستمر هذا التأخير المخزي في تأليف الحكومة؟

 

تساؤلات تُقلق بال اللبنانيين الذين يتطلعون إلى الخروج من هذا النفق المظلم، قبل سقوط السقف فوق رأس الجميع.