IMLebanon

بيروت المدينة..عاصمة تحولات الشرق الاوسط

 

ان تبسيط التجربة الوطنية العميقة يؤدي الى تسطح الوعي والادراك وتحويل الرغبات السلطوية السخيفة الى معلومات وسياسات انقاذية، والوصايات الاقليمية والدولية الى ضرورة علاجية عبر تجديد ثقافة ادارة الازمات على حساب الحياة التمثيلية الوطنية الديموقراطية، ومنع تشكيل وعي وطني لبناني قائم على الاستفادة من دروس التجربة الوطنية العميقة وتفردها وتمايزها عن محيطها ونجاحها في تكوين هوية وطنية حديثة ومتجددة، هوية وطنية صلبة نجحت في مواجهة تحديات الحرب والسلم والمسارات الديموقراطية والاستبدادية والانفتاح والتقوقع والمتاهات السياسية العربية والاقليمية والدولية انها الهوية الوطنية التي استطاعت تجاوز النزعات الطائفية وتحدياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومخاطرها الوجودية.

 

التجربة الوطنية تواجه اليوم تحديات العبث بمصير الاجيال وربط مصيرهم بالهجرة والاغتراب وانشغال المكونات السلطوية بمواصفات الرئيس الملهم والمنقذ من الضلال على شاكلة مجتمعات الانسان الاول الغارق في الجهل والخوف في مجاهل الغابات، واعتبار رئيس الجمهورية اهم من الجمهورية والطائفية واهم من الوطنية والولاءات الخارجية واهم من الوحدة الوطنية واعتماد خطاب الكراهية والاحقاد كملاذ آمن للزعامات والقيادات، واعتبار كل شهداء لبنان الكبار قد اغتيلوا لانهم اشهروا خطاب المحبة والوحدة بين ابناء لبنان وآمنوا بقدرة الانسان اللبناني على النهوض وبناء جسور المودة والثقة بين ابناء الشعب الواحد والوطن الواحد واعادوا الوهج والتألق والنجاح الى بيروت قلب لبنان فكان مصيرهم الاغتيال.

 

ان تحويل التجربة الوطنية الى ارث عقاري متوارث لزعماء الطوائف والمذاهب والقبائل والعائلات، عبر التسليم بسياسات الموت والخواء التي تعيشها المباني والمحال في محيط البرلمان واسواق بيروت والماثلة امام اعين النواب الكرام خلال تواجدهم في البرلمان من دون ان يسألوا عن المليارات المهدورة من اجل امن الفراغ التشريعي والفراغ التمثيلي، واخلاء محيط البرلمان واسواق بيروت من فرص العمل والاستثمار من اجل سياسات الفشل والاوهام حيث يندمج كل النواب داخل ذلك العقار عبر الخطابات والمداخلات وتوهم البطولات حين يقفون بكل ادعاء على درج البرلمان يتحدثون عن مستقبل لبنان وهم يشاهدون من حولهم ذلك الخواء المعيب لانهم يعرفون ان ثمن دخولهم الى عقار البرلمان كان التسليم بدمار قلب لبنان، وتبسيط التجربة اللبنانية وتحويلها الى نصوص انشائية وبيانات ومذكرات يصوغها رموز الفشل من ماضي المستقبل الذين تنعموا بدماء الشهداء والاحتماء بالخصوصيات المذهبية والطائفية والخروج من الدولة وعلى الدولة .

 

ان اللحظة التاريخية الراهنة بالغة الدقة والخطورة ويحتاج فيها لبنان الى نخبة وطنية خلاقة وقادرة على تحديد الاولويات واستحضار نجاحات التجربة الوطنية وتجاوز العثرات والارتكابات والتحرر من ثقافة الوصايات القومية والدينية والدولية، نخبة قادرة على متابعة التحولات العالمية الدقيقة والكثيفة في كافة المجالات الانتاجية والجيوسياسية، نخبة تؤمن بان مسيرة الحداثة الشرق أوسطية بدأت من جامعات ومدارس ومطابع بيروت، ومن بيروت بدأت مسيرة عصبة الامم والامم المتحدة ومنظمة اليونسكو في المنطقة، ومن بيروت بدأت الحرب الباردة، ومن بيروت تعرف العالم على الثورات والحركات والوحدة العربية والاحلاف الاقليمية والدولية والمقاومات والايديولوجيات والابداعات والحريات الاعلامية والفكرية، وبيروت التجربة الوطنية في الايام القادمة تحتاج الى رجالات كبار كالذين استشهدوا في شوارعها دفاعا عن نجاحاتها وازدهارها ووحدتها وتالقها، لان بيروت المدينة في الايام القادمة ستشهد تحولات جسام مما قد يجعلها تستحق ان تكون عاصمة تحولات الشرق الاوسط الكبير والجديد.