Site icon IMLebanon

بيروت الأولى … تتمرّد

عندما يصوت في بيروت العاصمة عشرون في المئة من ناخبيها ويقاطع ثمانون في المئة فهذا يعني ان هناك ازمة ثقة كبيرة بين المواطن والسياسيين، وان الناس في وادٍ والطبقة الحاكمة والسياسية في وادٍ آخر.

لكن ربما كان لهذه الإنتخابات البلدية والاختيارية في بيروت ايجابية وحيدة انها أوجدت «فشة خلق» ومساحة رأي وتعبير لأهل العاصمة الذين شاركوا في الانتخابات، الناقمين على الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية في البلاد وهذا ما تُرجم في صناديق اقتراع الدائرة الاولى.

1- اتجاه التصويت والنسب في بيروت الاولى :

المقاطعة او التصويت للائحة المضادة لتحالف الاحزاب ونواب المنطقة ظهرت بشكل واضح و«فاقع» في الدائرة الأولى من بيروت، وصبّت اصوات الأكثرية المسيحية غير الحزبية والتي شاركت في الانتخابات في غير اتجاه ما ارادته الاحزاب المسيحية ونواب المنطقة وسجلت لائحة «بيروت مدينتي» رقماً عالياً في المناطق المسيحية متقدمة على «لائحة البيارتة» المدعومة من «القوات اللبنانية وقسم من التيار الوطني الحر والكتائب ونواب المنطقة» بنسبة 60% للائحة «بيروت مدينتي» على لائحة البيارتة التي نالت 40% من مجمل اصوات المقترعين في هذه الدائرة.

كما اظهرت نتائج اقلام بيروت الاولى اي (الاشرفية والرميل والصيفي) نسبة تصويت تراوحت بين 5 و7% في سابقة سوداء في تاريخ التصويت المسيحي في بيروت.

2- اسباب التمرد :

اليوم وبعدما تلاشى الضجيج الانتخابي واندثر غبار المعركة وتوقف سيل الحبر في تحليل نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت وما تلاها من حملات وحملات مضادة لا بد من قراءة موضوعية وشفافة عن ذاك اليوم الانتخابي وشرح حقيقة ما حصل في بيروت الأولى دون مسايرة لأحد :

1- مبدأ إجراء الإنتخابات البلدية في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية وإعطاء انطباع ان البلد ماشي بوجود رئيس للبلاد او دونه، خطيئة كبيرة وجسيمة، وهذا كان سبباً اساسياً للنقمة على الأحزاب لعدم اعتراضها على اجراء الانتخابات او مقاطعتها اياها في غياب ممثل المسيحيين الأول في الدولة.

2- معروف ان الإنتخابات البلدية والإختيارية تؤدي غالباً الى خلافات وانقسامات داخل العائلة الواحدة والبيت الواحد كونها انتخابات عائلية ومناطقية وانمائية، وتدخل الاحزاب المسيحية فيها كان خطأ زاد الطين بلة ووضع الحزبيين «الحردانين» والمستقلين امام خيارين اما المقاطعة واما التصويت ضد اللائحة المدعومة من هذه الاحزاب.

3- لم تحسن الاحزاب المسيحية عبر ممثليها التعاطي والتصرف مع العائلات والمكونات الأساسية للنسيج الإجتماعي للدائرة الاولى، ولم تترك لها مجالاً للتعبير عن خياراتها وتمثيلها وانما أخلّت معها و«خربطت» في عدم مراعاة الأصول والإعتبارات والخصوصيات، واستبعدت في الاشرفية تحديداً مخاتير يمثلون الارض ولهم خدماتهم وبصماتهم في المنطقة وهذا يتحمل مسؤوليته المباشرة ممثلو الاحزاب في المناطق الذين اعتقدوا انهم «انصاف آلهة» واستخفوا بما ستكون عليه ردات فعل الناس.

4- الناس ما عادوا يثقون انهم عن طريق الإنتخابات المعلبة والمفروضة والمركبة بإمكانهم ان يخترقوا الوضع القائم وان يبدّلوا فيه، رغم محاولة الكثيرين تغيير هذه المعادلة بتصويتهم لـ «بيروت مدينتي».

5- تردّي الاوضاع الحياتية والمعيشية والاقتصادية ووصول اكثر من 85% من اللبنانيين الى ما دون خط الفقر وانعدام فرص العمل للشباب بعد تخرجهم من الجامعات وسد الآفاق امامهم وخنق احلامهم وجعلهم يهاجرون الى خارج وطنهم جعل الناس تكفر بالسياسة واهلها ولعب دوراً في تدنّي نسبة المشاركة.

6- تجاوب شريحة واسعة من الناس في الاشرفية مع الدعوة للمقاطعة التي دعا اليها ابن الاشرفية المصرفي ورجل الاعمال انطون نبيل الصحناوي والتي جاءت على خلفية عدم التزام الذين يُركبون اللوائح الاختيارية بما تم الاتفاق عليه معه، وحتى في عدم الوقوف على خاطره ولو بإسم واحد من الأسماء التي طرحها لتكون ضمن اللوائح الإختيارية مطبقين معه المثل الشعبي القائل: «عند غسيل الصحون عيطوا لانطون وعند توزيع المغانم انطون نائم».

مع الاشارة الى ان انطون الصحناوي لا يطمح لاي موقع سياسي بالرغم من حضوره الكبير على مستوى الدائرة الاولى من بيروت من خلال مؤسساته واعماله الخيرية والاجتماعية ومن خلال وقوفه الى جانب ابناء المنطقة في افراحهم واحزانهم وفي السراء والضراء وهذا ما اعطاه مكانة ومحبة في قلوب الكثير من شباب المنطقة وعائلاتهم، وجعلهم يلتزمون بما يقرره في اية انتخابات اختيارية او بلدية او نيابية وهذا الامر معروف لدى قادة الاحزاب المسيحية وممثليهم في بيروت الاولى، وبالرغم من ذلك «كابروا» فحصدوا مقاطعة في الانتخابات البلدية، وخسروا صديقاً يتكل عليه في الانتخابات النيابية.

3- سعد الحريري والعلاقة مع الحلفاء :

اما من جهة ثانية وحول اتهام الرئيس سعد الحريري بعضاً من حلفائه بعدم الالتزام معه في دعم «لائحة البيارتة» بعد اصراره مشكوراً على المناصفة في اللائحة بين المسلمين والمسيحيين فاني اقول له بكل صدق ومحبة :

صحيح ان فريقاً سياسياً مسيحياً تحالف معك في هذه الانتخابات قسّم اصواته بين « لائحة البيارتة» ولائحة «بيروت مدينتي» نتيجة الخلافات على الارض والتباين في الرأي بين اثنين من قياديه.

لكن الاحزاب المسيحية الاخرى التزموا ولم يقصروا في حشد طاقاتهم ومحازبيهم ومؤيديهم لمصلحة «لائحة البيارتة»، لكنهم لم يستطيعوا «المونة» الا على الحزبيين والملتزمين معهم، ولم يكن لدى اي من هذه الأحزاب نيّة او رغبة الإهمال والتقصير والتآمر واللعب من تحت الطاولة.

لكن ربما لم يطلعكم هؤلاء الحلفاء على حقيقة ما واجهوه وفوجئوا به يوم الاقتراع في بيروت الاولى، بحيث ان «شبه ثورة» سرت بين من اراد الاقتراع من غير الحزبيين تحت عنوان المحاسبة والتغيير متصورين ان «لائحة البيارتة» هي صورة مصغرة عن الحكومة الحالية التي تركت النفايات تتراكم في شوارع العاصمة لشهور في مشهد يندى له الجبين وتقشعر له الابدان.

اضافة الى ذلك فان بلدية بيروت السابقة التي اتصفت بأداء بلدي وخدماتي سيئ كانت مقصرة ومهملة مع المناطق المسيحية وأخطأت بحق المسيحيين الذين لم يروا منها اي مشاريع وانجازات تُذكر، وبالتالي كان من الطبيعي إزاء تجربة بلدية غير مشجعة في السنوات الماضية ان تكون ردة فعل هؤلاء المقترعين على هذا النحو الإعتراضي ويلجأوا الى التصويت السلبي إما بالإحجام عن المشاركة وإما بإعطاء صوتهم للخيار الآخر المتاح امامهم.

هذه هي حقيقة ما حصل دون زيادة او نقصان وهذا هو الواقع الذي افرز هذا المشهد الإنتخابي في دائرة بيروت الاولى.

4- استخلاص العبر :

بعد طيّ صفحة الإنتخابات البلدية والإختيارية في بيروت بما لها وما عليها، اقول يجب ان تكون هناك فسحة للتأمّل ومراجعة الذات واعادة النظر في التقسيمات البلدية لمدينة بيروت لجعلها 3 دوائر كما هي الحال في الانتخابات النيابية بحيث يجتمع المنتخبون في الدوائر الثلاث في مجلس بلدي واحد او 3 بلديات منفصلة تجتمع في اتحاد بلدي واحد لأن البلديات هي السلطة المحلية الأكثر التصاقاً بالمواطن وليس بالسياسيين وهي المولجة رعاية مصالحهم واحتياجاتهم اليومية بعيداً عن السياسة وزواريبها.