رد الفعل السوري على قصف الأباتشي الإسرائيلية في منطقة القنيطرة قادة عسكريين من «حزب الله» ومن إيران، كان مقتضباً وجافاً، إذ أعلن الناطق الرسمي الخبر ذاكراً القاتل وقسماً من القتلى، من دون وصفهم وبيان أهمية الحدث. ولم تحمل مشاركة وزير الإعلام السوري لاحقاً، في ندوة تلفزيونية لبنانية حول الحدث، طابعاً رسمياً لترطّب الخبر الجاف.
كيف يكون ذلك حين يُعلن «حزب الله» أن الضحايا اللبنانيين والإيرانيين كانوا في صدد وضع اللمسات على مواقع لمقاومة معنية بالجولان المحتل يتولاها السوريون قيادة ومقاتلين، ويكون للبناني والإيراني الاستشارة والمتابعة؟
ثمة ما يشبه تبدّلاً في المواقع، فطوال عقود كانت القيادة السورية تحارب إسرائيل من جنوب لبنان، وها هي قيادة «حزب الله» مضطرة للرد على مقتل قادتها من جنوب سورية، فهي تدرك أن لبنان لا يتحمل هذه الأيام حداً أدنى من المغامرة العسكرية، كما صرّح سياسيون بارزون، فيما تتململ بيئة المقاومة من وطأة متطلبات النظام السوري، سابقاً وحاضراً ولاحقاً.
ويبدو أن مقتل القياديين في «حزب الله» لن يؤثر في حواره مع تيار «المستقبل»، كما أن ردود فعل اللبنانيين تميّزت هذه المرة بالتحفّظ أو بالصمت، بعدما بُحّت أصواتهم من دعوة «حزب الله» إلى الانسحاب من سورية، وبعدما لاحظوا تبدّل تبريراته للتدخل، من الدفاع عن قرى لبنانيين في البقاع الشمالي واقعة تحت السيادة السورية، إلى حماية مقام السيدة زينب قرب دمشق، إلى قتال المعارضة المسلحة على كامل التراب السوري، إلى تنظيم مقاومة سورية للاحتلال الإسرائيلي في الجولان.
لا يعني التحفّظ والصمت موافقة اللبنانيين على سياسة «حزب الله» بقدر إحساسهم بالتضامن في هذه المرحلة، علّه يكون سبيلاً إلى مراعاة الـ «حزب» المصالح العليا للشعب اللبناني بما في ذلك بيئته الاجتماعية والطائفية. ولعل البند الأول في جلسة الإثنين الحوارية بين «الحزب» و«المستقبل» سيكون حادث القنيطرة وتأثيره في الوضع الأمني، فلبنان محكوم بالحوار ومساعي التهدئة لضبط الأوضاع لدى أي حدث داخلي وخارجي، مثل تفجير طرابلس (جبل محسن) ومقتل قادة من «حزب الله» في سورية.
لكن القنيطرة لن تصير بالتأكيد أرضاً لبنانية وإن قتل فيها مقاومون لبنانيون، وليس هؤلاء المسؤولين الوحيدين عن جبهات الصراع مع إسرائيل، فالمسؤولية مشتركة مع السوري والأردني والفلسطيني وليست حصرية للبناني، هو الذي لا يبدو سعيداً بهذه الحصرية، على رغم صخب الخطابات والأناشيد وبرقيات التهنئة والتعزية.
بيروت – الجولان – بيروت، مروراً بدمشق وبغداد وطهران، رحلة ملتبسة الخطوط والمعابر، حين تفترض أن مجابهة إسرائيل هي نقطة جمع للتناقضات وطرد لمتطلبات الاقتصاد والمعرفة والحرية، وإلّا كيف نفسّر اتفاق غالبية المقاومين ثقافياً على استعادة التراث ثم اختلافهم عليه، حتى الموت إيماناً أو القتل تكفيراً؟
وكيف نفسر هذا الميل إلى العسكرة خارج الدولة، في صيغة ميليشيات (مقاومة أو غير مقاومة لا فرق) متعددة الارتباطات، تكاد تحكم المشرق العربي بعدما سبقتها إلى ذلك إسرائيل، المجتمع العسكري الذي يسمونه تجاوزاً وطناً ودولة؟ ففي مشرقنا اليوم تصير الميليشيا دولة أو تنحدر الدولة إلى ميليشيا، بفعل «عبقرية» القيادات الشعبوية.