Site icon IMLebanon

البيارتة» يقترعون «زي ما هي»… المعركة البلدية بعيداً من عدسات الكاميرات

دقّت الساعة الصفر، وانطلقت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، لتكسر رتابة الفراغ الرئاسي والتمديد النيابي. أمس كان أهل العاصمة بيروت بدوائرها الثلاث على موعد مع انتخاب مجلسهم البلدي المكوّن من 24 عضواً، من أصل 95 مرشّحاً بينهم 19 سيّدة، وانتخاب 108 مخاتير من أصل 211 مرشّحاً بينهم 8 سيّدات. تركّزَت المعركة الأساسية بين «لائحة البيارتة» التي يَرأسها جمال عيتاني، المدعومة من تيار «المستقبل» والقوى الحزبية الأخرى، في مقابل لائحة «بيروت مدينتي» برئاسة المهندس ابراهيم منيمنة، ذات النواة من المجتمع المدني. وبصرفِ النظر عن السباق المحموم بين اللائحتين شكّلَ الهاجس الأكبر لدى مختلف القوى المتنافسة حضّ البيروتيين على النزول والمشاركة في الاقتراع.

أظهرت النتائج الأولية فوز «لائحة البيارتة» أمس بمجلس بلدية بيروت، بعد يوم إقتراع طويل لم يشهد أي إشكالات تذكر.

فعلى وقع التدابير الأمنية المشدّدة، والتعزيزات المكثّفة، من حواجز ثابتة كتلك التي شهدها جسر الرينغ أو فندق الريفييرا، وحواجز متنقلة في محيط مراكز الاقتراع «الحساسة»، فُتِحت صناديق الاقتراع قرابة السابعة صباحاً، وبدت على أتمّ الاستعداد لاستقبال نحو 467021 ناخباً بيروتياً، بحسب لوائح الشطب، في هذا اليوم الطويل.

إنطلاقة باردة

في جولة صباحية لـ«الجمهورية» على أحياء العاصمة، بدا الهدوء سيّد الموقف، وكأنّ الناخبين حتى اللحظة الأخيرة لم يصدّقوا بأنّ الانتخابات انطلقَت، علماً أنّهم رفعوا صوَر المرشحين على شرفاتهم وسياراتهم، ولم يَدعوا زاوية تَعتب عليهم، ومَن ضاقَ به البَر، لجأ إلى البحر، ليرفعَ على زوارق الصيادين صوَراً لمرشّحه المفضّل.

من بين هؤلاء أحد الصيادين على شاطئ عين المريسة الذي أبى أن يفوّت على نفسه «صبحيتَه» مع البحر، ففضّل التريّث، على اعتبار: «باطل ننتخب قبل الشيخ سعد»، لذا جلسَ على كرسيّ من القشّ وبجانبه المذياع يستمع إلى الأخبار حتى يصله الضوء الأخضر.

في المقابل ارتدَت الحجّة فوزية منذ الصباح الباكر القميص الخاصة بلائحة «البيارتة»، واضعةً فوق حجابها القبّعة الداعمة للّائحة قبل التوجّه للإقتراع، مردّدةً: «مولانا المفتي افتتح الإستحقاق».

وكان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أوّل الرسميين الذين أدلوا بصوتهم بعد دقائق من فتح أقلام الاقتراع، في مدرسة عمر فاخوري.

رأس بيروت

على رغم مرور ساعتين على بدء عملية الاقتراع، بقي الجمود سيّد الموقف والحركة العامة في «كوما»، غياب شبه تامّ للسيارات، أمّا حركة المواطنين فاقتصرَت على محيط مراكز الاقتراع.

إلى أن بدأ البيارتة يتناقلون خبَر إمكانية حضور الحريري إلى متوسّطة شكيب إرسلان للاقتراع باكراً. فبدأت حركة المندوبين تتكثّف ليس فقط في محيط التكميلية إنّما في مختلف الأحياء المؤدّية إليها.

وبلمحِ البصر تحوّلت الأزقّة إلى ثكنة عسكرية بكاملها، وبدأت الكلاب البوليسية تمشّط الأرصفة والزوايا، أمّا الصحافيون فتهافتوا إلى المدرسة يبحثون بين لوائح الشطب عن إسم الحريري، وسط سيلٍ من الترجيحات والتوقّعات حول رقم سجلّه، وبعد جهدٍ تبيّن أنّه سيدخل إلى القلم الرقم 17، فرقم سجلّه 1512.

لم يكد المصوّرون يزرعون كاميراتهم، والصحافيون ميكروفوناتهم وآلات التسجيل حتى حضرَ عناصر الأمن الخاص بالحريري ليشرفوا على أدقّ التفاصيل الأمنية، فأنزلوا الستائر، وللوهلة الأولى، ظنّ أحد المسؤولين على الصندوق أنّ التيار الكهربائي إنقطع، فصرَخ «الله يعتّم قلبُن»، فتلقّفت مندوبة الموقف، قائلةً: «شو أشبك يا حاج منشان الشيخ وطّو البرادي، والكهرباء ما راحت».

إلى خلية نحل تحوّلَ قلم الاقتراع، وما عاد بوسعِ المنظّمين التواصل مع الناخبين، فاقترح أحدُهم: «أنا برأيي نوقّف انتخاب ليجي الشيخ سعد ينتخب ويروح». رأيٌ لم يُقدّم أو يؤخّر في حسابات الحاضرين، لا سيّما بالنسبة إلى المندوبات المعجبات بالحريري اللواتي استرَقن النظر بين «شفرات» الستور خلف النافذة، فصرخت إحداهنّ وقد أعياها الانتظار: «يقبرني إيمتا حا يجي!»، بلكنة بيروتية صرف.

«يوم السعد لمّا تطِلّ»

كذلك شهدَ محيط المركز زحفاً بشرياً على جانبَي الطريق، أكثر من ربع ساعة انتظر الأهالي، وسط مواكب مموّهة، ومع مرور كلّ سيارة رباعية الدفع «مفيّمة» كان يعلو الصفير والزمير تزامناً مع هتافات منادية «سعد».

إلى أن دقّت الساعة التاسعة ووصَل الحريري إلى باحة التكميلية وسط حراسة مشدّدة، حاولَ قدر المستطاع الردّ على تحيّات مناصريه والتقاط الصور معهم يميناً وشمالاً، إلى أن دخلَ قلم الاقتراع الخاص برقم سجلّه.

وبعد الاقتراع، قال الحريري: «إنّه يوم عرس لبيروت، أن ننزلَ للإدلاء بصوتنا بكلّ ديموقراطية وحرّية، أنا أنتخبت اليوم «لائحة البيارتة» «زي ما هيّي»، متمنّياً «أن تفتح هذه الانتخابات البابَ للانتخابات الرئاسية والنيابية في المستقبل، وتكون بادرة خير».

ولفتَ إلى أنّ «الانتخابات سياسية بامتياز وإنمائية أيضاً، نخوضها لمصلحة إثبات أنّ بيروت ما زالت ضمن فلك مسيرة تيار المستقبل». أمّا عن تفسيره لغياب «حزب الله» عن اللائحة، فردّ: «إنّه أمرٌ إضافي لبيروت».

ولفتَ إلى أنّ «العونيّين مع المناصفة وليسوا ضدّها، ومع إنماء بيروت». أمّا بالنسبة إلى ضمانة ألّا يبقى الوضع «زيّ ما هو»، قال: «الوضع سيكون إن شاءَ الله أفضل بكثير»، مؤكّداً «أنّه مع انتخابات رئاسية أوّلاً، ولكنّني من الآن أقول، إذا كانت هناك انتخابات نيابية فنحن بالتأكيد مع إجرائها».

إنعكسَ اقتراع الحريري باكراً إيجاباً على معنويات البيارتة، فشهدَت ساعات الظهر الأولى تقدّماً ولو بطيئاً في نسبة الاقتراع التي لم تتجاوز الـ 10 في المئة. فتركّزَت نداءات المرشّحين الذين واظبوا على التنقّل بين المراكز والالتقاء بالأهالي، على حضّهم على ممارسة حقّهم في الاقتراع، قبل أخذِ هاجس التشطيب على محمل الجدّ.

وفي مدرسة خديجة الكبرى في عائشة بكّار، أدلى رئيس الحكومة تمّام سلام بصوته، واصفاً العملية «باللحظة الوطنية».

الباشورة

واستكمالاً لجولة «الجمهورية» على المناطق البيروتية، شهدت الباشورة حركة أوسع للناخبين، وتحديداً على مدخل ثانوية الشهيد حسن خالد. إلّا أنّ حضور مندوبي «بيروت مدينتي» بدا خجولاً في مختلف المراكز التي دخلناها.

وفي هذا السياق أوضح أحد الناشطين في الحملة أسبابَ ضعف حضورهم العددي: «لسنا مموّلين من أحد، وتقوم جهودنا على متطوّعين، ومنهم من انسحبَ في الدقائق الأخيرة». ووسط غمرة الناخبين بدا لافتاً إصرار المتقدّمين في السن على الاقتراع رغم مشاكلهم الصحّية، فمنهم مَن استعانَ بعصا، وأحدهم أصرَّ على أن يقترع أخوه المعوّق، فاصطحبَه معه مبرِزاً بطاقة إعاقته للسَماح له بمساعدته.

أسباب تدنّي الاقتراع

وأمام ابتدائية علي بن أبي طالب التقينا رئيسَ «لائحة البيارتة» جمال عيتاني، خلال جولة ميدانية له، فأعربَ لـ«الجمهورية» عن غبطته في رؤية المسنّين يقترعون، وتمنّى لو أنّ الشباب يَحذون حذوَهم لكي لا يتلهّوا في الملامة لاحقاً.

أمّا عن أسباب تدنّي نسبة المقترعين، فقال: «نتمنّى لو أنّها تجاوزت الـ 25 في المئة، وهذا الإقبال الخجول اليوم (امس) مرَدُّه إلى جملة أسباب أبرزُها: تسويق البعض أنّ اللائحة أشبَه بمحدلة «وناجحة تحصيل حاصل»، فتقاعَس كثيرون من البيارتة». أمّا عن نقاط قوّة لائحته، فعدَّدها قائلاً: «الكفاءات الموجودة، الخبرة، تنوّع عائلي بيروتي شامل، دعم المراجع الروحية، الدعم السياسي».

وعن خطواته الأولى بعد الفوز، أجاب: «سأقبّل يديّ أمّي، و»أشمّر» عن ساعديَّ لمباشرة ترجمة خطّة عملنا». أمّا عن موقفه في حال عرقلةِ عملِه، فختمَ عيتاني قائلاً: «سبقَ أن تعرّضتُ للتهديدات يوم كنتُ رئيسَ مجلس الإنماء والإعمار، لكنّني عنيد للحقّ وأحترم القانون وألتزم حدود مسؤولياتي».

في الختام، لم تتجاوز نسبة الاقتراع 21% في العاصمة، إلّا أنّه بمجرّد إنجاز هذا الاستحقاق، استبشَر اللبنانيون خيراً في إمكانية إجراء الاستحقاقات الأخرى في مواعيدها وإخراج البلد من حال الفراغ المدقع التي تنهش مؤسساته.