IMLebanon

البقاع والشمال في قلب لبنان

المعركة الأخيرة التي شنّها الإرهاب في رأس بعلبك على لبنان وجيشه، أوقعت ثمانية شهداء جدد، في وطن باتت الشهادة فيه مادة تتكرّر في نشرات الأخبار والمشهد واحد: نعوش محمولة على الأكفّ وزوجة أو ابن أو أب مفجوعون، واستنكارات، ثم تعزية من الوافدين، قبل الانتقال الى شأن آخر وكلام آخر.

تشييع جثامين، مواكب رسمية، تعليق أوسمة على صدور شهداء ورجال من مؤسسة تكاد لا تدفن شهيداً حتى يسقط آخر. هذان المشهدان اليوميان أصبحا، لسوء الحظ، كأي خبر آخر اعتاده اللبنانيون، حتى إن البعض تعب من الاستنكار وملّ رفض الواقع، وربما تجاهل الموضوع، حتى شعرنا للحظات بأنّ بعلبك ليست من لبنان، وكأنّ ثمانية شهداء من الجيش ليسوا في مصاف شهداء “شارلي ايبدو” في فرنسا، إذ كنّا أول من استنكر ما حصل. فنحن مع حرية التعبير، وهذه قضيتنا، أما استشهاد ثمانية أبطال من جيشنا فمسألة فيها نظر، ولا تعني البعض، وهي ليست قضيتهم الأولى.

هل لأنّ القتل والشهادة في لبنان أصبحا أمراً معتاداً؟ أم لأننّ البعض يعتبر الشمال والبقاع في بلد آخر، لا دخل لنا به؟

معركة في إثر معركة، وثمة لبنانيون غير معنيين بهذه الحرب المصيرية التي يشنّها الإرهاب على لبنان. والطامة الكبرى، أنّ مجلس النواب عندنا لا يجد موجباً يستحقّ اجتماعاً استثنائياً لاتخاذ موقف وطني جامع، ربما لأنّ نصف هؤلاء في غياب حقيقي عن شؤون لبنان وشجونه. بل لعلّ بعض نوابنا لا يُدرك حقيقة الخطر الإرهابي الداهم، ولم يسمع بالمواجهات البطولية التي يخوضها الجيش بلحمه الحيّ.

يجب أن يدرك الجميع أنّ البقاع والشمال في قلب لبنان، واستقرارهما من أمن لبنان. وهذا الإدراك يجب أن يُترجَم بمواقف وقرارات سياسية وأمنية وشعبية وإعلامية، وهذا أقل الواجب الوطني. والأهمّ إيجاد خطة واضحة تريح اللبنانيين وتطمئنهم الى أنّ لديهم دولة ترتقي الى مستوى شهادة الشهداء.

وأما شعبنا، بكل تياراته وانتماءاته السياسية، فأقلّ ما عليه القيام به هو أن يرتفع إلى مصاف الشعب الفرنسي الذي هبّ منتصراً لفرنسا، انطلاقاً من مجزرة “شارلي ايبدو”، ومضى مع الرؤساء والمسؤولين في مسيرة واحدة دفاعاً عن حريته ودعماً للأمن والاستقرار في بلده، ذلك أنّ الشعب والمسؤولين الفرنسيين يدركون أنّ الأمن كلٌ لا يتجزأ، والاعتداء على وسيلة إعلامية هو إعتداء على سيادة وطن، وأن الجميع معنيّ بدفع ضريبة الدم، وليس الجيش والقوى الأمنية وحدهم. ليس المطلوب الزحف بالسلاح الى البقاع والشمال حيث يقوم جيشنا بالواجب، بل أن ندعم هذا الجيش، وأن تعي الحكومة أنّه يحتاج إلى مال وسلاح، وليس إلى كلام تعزية وأوسمة.