فرْض “فدرلة المحطات” مخالف للقانون وإحتكار وتمييز بين الأهالي
لا يختلف واقع الإرباك الذي تعانيه محافظة البقاع عن سائر المناطق اللبنانية. فالأزمات المتواصلة التي يعيشها اللبنانيون أرخت بظلالها على يوميات أقضيتها الثلاثة، إلا أن واقعها الأمني لا يزال مضبوطاً نسبياً، وفقا لمحافظ البقاع كمال أبو جودة، و”الأجهزة الأمنية على إختلافها، بالإضافة الى الأطقم الإدارية، تعمل باللحم الحي لتسيير شؤون المواطنين، وحفظ أمن المنطقة”، منعاً لإنفجار الأزمة الإجتماعية أزمات أمنية.
يصعب على المحافظ أبو جودة أن يتجاهل الضغوطات الهائلة التي فرضتها أزمة البنزين في المقابل، وهذه الازمة بدأت تتسبّب بتوترات عديدة في المنطقة. ومع أن النزاعات لا تأخذ طابعاً مناطقياً أو طائفياً، إلا أنها تعكس المأساة التي تلاحق المواطنين نتيجة لصعوبة توفير المادة.
والمشكل، وفقاً لأبو جودة، ليس بكمية البنزين، بل بتهافت المواطنين الكبير على المادة، خوفاً من إنقطاعها من جهة، وبالتخزين المعدّ للتهريب أو البيع في السوق السوداء من جهة ثانية، وهو ما يجعل البعض يستفيدون من كميات كبيرة على حساب آخرين يعانون صعوبة في الوصول اليها.
في المقابل، يشدّد أبو جودة على أن الاجهزة الأمنية كلها لا تقصر بالحدّ من ظواهر الجشع التي نشهدها، وبناء لإشارة القضاء المختص يتمّ توقيف البعض بحسب الجرم المرتكب، وضبط الكميات المخزّنة التي توزّع مجدّداً بشكل عادل على المستشفيات والأفران ومولدات الأحياء. وعليه، فإن جميع الأموال تضبط لمصلحة الخزينة، الى أن يحدّد القضاء القرار النهائي حولها.
المفارقة التي يتحدّث عنها أبو جودة هي أنه بظلّ أزمة البنزين، لوحظ تراجع بنسب الجرائم الاخرى من سرقات وخطف وسطو وغيرها، وبالتالي صارت معظم المشاكل محصورة على محطات البنزين أكثر من السرقات والارتكابات الأخرى، وهذه مشاكل متنقّلة من محطة الى أخرى، ويعقبها إطلاق نار او تعدّيات، لأن الناس محقونة. إلا أنّ أبو جودة لا يبدي تخوفاً من اي إنفجار أمني قد تتسبّب به الأزمات، معتبراً أن الخطر الأمني يكون على مستوى البلد وليس محصوراً بمنطقة محددة، وهذا يشكّل خطراً على كل البلد. إنطلاقاً من هنا، يؤكد بأنّ الوضع الأمني في محافظة البقاع لا يزال تحت السيطرة، ولا تزال القوى الأمنية من جيش وقوى أمن وغيرها قادرة على ضبط الوضع على الأرض.
ويلفت بالمقابل الى مواكبة التطورات بإجتماعات لمجلس الأمن الفرعي تعقد دورياً، وتخرج بخطط عمل وطروحات تقترح على الوزارات المختصة، لإتخاذ الإجراءات التنفيذية في ما يمكن أن ينفذ منها، وذلك بالاشتراك مع البلديات التي طلب منها جميعها، وفقاً لتعاميم صدرت عن المحافظة مواكبة الأجهزة ومساعدتها، وخصوصاً في ما يتعلق بتنظيم الفوضى القائمة على محطات البنزين.
والبلديات، وفقاً لأبو جودة تقوم أيضاً بجهد جبار، في ظل ميزانياتها التي تدهورت قيمها، وقدراتها المحدودة. لافتاً الى أن هناك بلديات ليس لديها شرطة بلدية، وبالتالي ليس سهلاً عليها ان تضطلع بهذه المسؤوليات. إلا أنه حتى في بعض هذه البلديات وجدنا آلية لإشراك المجتمع المدني بالتنظيم بموافقة وزارة الداخلية، وهؤلاء متطوعون يعملون تحت كنف البلديات من دون أي بدل، ويساعدون في تسيير أمور مجتمعاتهم.
بالنسبة لأبو جودة فإن الوضع إستثنائي، وبالتالي هو يتطلب تعاون الجميع لتمرير المرحلة، وإلا ستكون المصيبة كارثية على الجميع.
إلا أنه يرفض بالمقابل ما يطلبه البعض من البلديات بأن تفرض “فدرلة المحطات”. معتبراً أن ذلك مخالف للقانون وهو إحتكار وتمييز بين الأهالي والأشخاص، مع تأكيده على ضرورة أن يكون هناك أفضلية لفئات معينة كالأطباء وأطقم الصليب الأحمر والدفاع المدني وغيرها من الهيئات الإنسانية.
يعوّل أبو جودة في المقابل على الروح الوطنية التي يتحلّى بها كل من هم في السلك الأمني والعسكري لحماية البلد بظل الأزمات، محذّراً من خطورة إستنزاف قدرة هذه الأجهزة على التحمل في محطات الوقود أو غيرها، خصوصاً ان لديها مهمات أخرى، والمطلوب من المواطنين تسهيل مهمّاتها للتخفيف من التوتر على المحطات وغيرها، الى مراعاة الواقع الذي تعيشه هذه الاجهزة على صعيد رواتب عناصرها وصعوبة تدعيمها بالتجهيزات.
والواقع المعيشي المتأزّم ينعكس أيضاً على الأطقم الإدارية في جميع المؤسسات، ومن بينها إدارة المحافظة التي يؤكد أبو جودة أنها تعمل بظروف ليست سهلة. والصعوبات تبدأ من الرواتب التي لم تعد تكفي وبالمواصلات، وبدل النقل الذي لا يوازي كلفته، وبالظروف الإجتماعية والحياتية، التي صارت صعبة على الموظف. مع التأكيد على أن كل هذا لا يبرّر ألا نقوم بواجباتنا.
إلا أن الصعوبة القصوى التي تعانيها المحافظة في إدارة امورها، وفقاً لابو جودة، هي إنقطاع الكهرباء، لأنّ من دونها لا يمكننا تلبية معاملات المواطنين، من طباعتها، الى إدخالها على الكومبيوتر وتسجيلها وكل هذا يحتاج الى الكهرباء، الى كلفة صيانة المعدّات التي نستخدمها، وحتى الورق. فموازنة المحافظة ملحوظة بطريقة لم تشمل تراجع قيمة العملة. اذا تعطّل كومبيوتر لا يمكننا اصلاحه، وبالتالي هناك أمور كثيرة قد لا نكون قادرين على تأمينها، وهذه معضلة على صعيد كل لبنان.
وكلفة إنتقال الموظفين الى المحافظة ليست أقل اهمية وخصوصاً بظل غياب النقل المشترك للموظفين، وقد عقدت إجتماعاً في وزارة الداخلية وشرحت هذه الصعوبات، إنما الحلول المقترحة هي على صعيد كل الإدارة حتى لا نصل الى الشلل، لأننا نريد أن نعمل ولكنّنا مكملون باللحم الحي إنطلاقاً من تعلّقنا بالبلد. إنما إذا لم نتجاوز الأزمات سيكون الوضع صعباً على الادارة، بحيث لن يتمكّن المواطنون من إنجاز معاملة، هل يمكن لأحد أن يتخيّل ما يعنيه ذلك؟ محافظة من دون كهرباء ولا آلة طابعة وكومبيوتر؟ هذا سيقودنا حتماً الى الـ TOTAL SHUT DOWN، وسيكون له اثر سلبي على كل الأصعدة.
ومن هنا يوجّه أبو جودة الدعوة لأهل البقاع الى التكاتف، لأنّ الأزمة هي على الجميع، ويجب أن نكون يداً واحدة بين أهل البقاع والإدارة والأجهزة الأمنية، والبلديات، ولكن اذا فكّر كل واحد منا ان الأزمة تطاله وحده ونتناتش الإمكانيات المتوفرة، سنسقط كلنا.