لم يعد في الإمكان إحصاء عدد الخطط الأمنية التي نفّذت في البقاع، منذ سنوات، لضبط الأمن وتوقيف المخلّين بالأمن. الأمر الوحيد المؤكّد أنها، جميعها، باءت بالفشل، وكانت نتيجتها دائماً «صفر توقيفات لمطلوبين»، فيما لم تكن حصيلتها تتعدّى توقيف بضع سيارات أو دراجات نارية مشتبه في شرعيتها أو لكونها مسروقة. آخر الخطط، منتصف تشرين الثاني الماضي، انتهت بمأساة في بلدة بتدعي. يومها قضى كل من صبحي الفخري وزوجته نديمة برصاص مسلحين فارين من مداهمات الأجهزة الأمنية في بلدة دار الواسعة في غرب بعلبك. يومها تعثّرت الخطة الأمنية، وتوقّفت بعد ساعات على انطلاقتها.
وإذا كانت الخطط السابقة في البقاع قد شهدت اعلان الساعة الصفر لها قبل ساعات قليلة على انطلاقتها، فإن الخطة الأمنية الموعودة التي أعلنها وزير الداخلية نهاد المشنوق، والمزمع تنفيذها «بدءاً من بريتال»، تميّزت هذه المرة بإعلانها قبل أيام، مع تحديد نطاقها الجغرافي، وبريتال تحديداً! وهو ما أثار استياء البقاعيين التوّاقين لتنفيذ خطة أمنية جدّية تنقذ المنطقة من مجموعة محدودة من «الزعران والمطلوبين، الذين يعيثون خطفاً وسلباً وسرقة في المنطقة».
لا جديد على صعيد سدّ نقص عديد عناصر قوى الأمن الداخلي
فاعليات بقاعية استغربت إعلان توقيت انطلاق خطّة أمنية يفترض أن تكون مباغتة، حتى إن بعضهم بات لديه اقتناع بأن الخطة الأمنية يتخذ القرار فيها للبقاع، «في كل مرّة تنفّذ فيها ضربة أمنية في منطقة أخرى كطرابلس أو بيروت أو عرسال، وكأن في الأمر بحثاً عن التوازن، وطبعاً الأولوية دائما ً لبريتال»، كما يقول أحمد طليس أحد مخاتير بلدة بريتال لـ «الأخبار».
أبناء بلدة بريتال انتقدوا «الهيصة» الأمنية ــ الإعلامية كل مرّة في بلدتهم، وتحويل ساحاتها وأزقتها إلى «ساحات حرب» بآليات وأفواج قتالية، برغم تأكيدهم أنهم مع الأجهزة الأمنية لتخليص البلدة من «شوية حرامية وتجار خطف وسلب». ويقول صاحب أحد المحال التجارية في البلد إن «ما ينوب بريتال في كل مرة هو ترويع الأهالي وتعطيل مصالحهم، في وقت يكون فيه الزعران قد انتقلوا إلى أعالي الجرود أو أماكن تواريهم».
قبل يومين نفّذت عملية أمنية عند أطراف بلدة بريتال، وكانت «بالفعل نظيفة» كما يقول المختار طليس، أوقف فيها المدعو شربل خ. المشتبه فيه بارتكاب جريمة كفردبيان الأسبوع الماضي. ليست العملية الوحيدة التي كانت «نظيفة» في البلدة والمنطقة بحسب المختار، إذ ثمة عمليات أخرى نفّذتها مفرزة بعلبك القضائية ومكتب مخدرات البقاع، ونجحوا في توقيف أشهر المطلوبين، متسائلاً: «طالما لدى الأجهزة الأمنية القدرة على تنفيذ عمليات نظيفة، وتعقّب اتصالات المطلوبين والمعروفة أرقام هواتفهم، فلماذا لا تعتمد تلك الطرق بدلاً من البروباغندا الإعلامية، وتحويل البلدة إلى ساحات حرب حقيقية تروّع الأهالي؟ أم أن المطلوب دائماً صنع أبطال سياسيين وضجّة إعلامية؟». وأكد طليس أن فعاليات بريتال وأبناءها إلى جانب القوى الأمنية في خطتها، «لكننا ضد الطريقة الاستعراضية».
الخطة الأمنية المزمع تنفيذها في البقاع الشمالي، وبرغم تمنيات البقاعيين بأن تحصد نتائج إيجابية، لا تبدو الآمال كبيرة حتى الآن بأن تكون أفضل حظّاً من سابقاتها. فأمنياً، ليس هناك من جديد في الاستعدادات، بحسب مسؤول أمني، ولا تزال المنطقة على «معاناتها» على صعيد نقص عديد عناصر قوى الأمن الداخلي، برغم المطالبات العديدة بزيادة عدد القطعات العملانية، وتجهيز المخافر والفصائل بالآليات والأسلحة الكافية، فضلاً عن استحداث سرية لقوى الأمن الداخلي في الهرمل. حتى اليوم لا معلومات عن الخطة الأمنية في البقاع، وسط ترجيحات أمنية «بالاعتماد على القوة الضاربة في فرع المعلومات من خارج المنطقة، وعلى قوة من الجيش، مع إقامة قوى الأمن الداخلي حواجز في المنطقة»، بحسب أحد المسؤولين الأمنيين.