سؤال بديهي، هل توجد خطة أمنية للبقاع لتستمر حتى النهاية؟
عندما يقال خطة لمنطقة البقاع خصوصاً على طول الشريط الجغرافي الممتد من بريتال إلى الهرمل وامتداداً إلى الجرود، يعني أن كل شيء فيها واضح من الألف إلى الياء. الفشل مسألة قابلة للاحتمال والتحمّل. المؤسسة العسكرية بشقيها الجيش والدرك يجب أن تذهب إلى البقاع وهي مؤكدة احتضان الدولة بكامل مؤسساتها لعملهم وتضحياتهم وخصوصاً لكرامتهم كأفراد ومواطنين كرامتهم من كرامة الوطن ومجتمعهم وعائلاتهم. فهل توجد فعلاً خطة على هذا المستوى؟
لا تكفي عملية أمنية واحدة للحكم على نجاح خطة ما زالت مجهولة، في جميع الأحوال، الخطة الأمنية للبقاع حاجة حياتية ومعيشية وبداية رسم مستقبل لمنطقة لم تعرف منذ رحيل العثمانيين حتى اليوم أي مستقبل. البداية من الأمن ضروري. لكن حتى هذا الجانب الأساسي يصبح عبئاً وإضافة ضخمة إلى قاعدة الإحباط واليأس، إذا لم يكن شاملاً وعاماً، ولا يكون كما يقول البعلبكيون «ما في حدا كبير أمام ابن الدولة».
البداية من بريتال مهمة جداً. هذه القرية المزروعة على مفصل مهم من البقاع اكتسبت شهرة لا تليق بعائلاتها ورجالها «الرجال«. لم يعد مقبولاً ولا محمولاً أن تكون بريتال وبعض القرى في البقاع «موقفاً» ضخماً للسيارات المسروقة التي يتفاوض أصحابها على استردادها مع مجموعات معروفة الأسماء والعناوين. لم يعد يجرؤ غريب ولا ضيف المرور في المنطقة حتى لا يخطف وتدفع عائلته ثمناً عالياً من القلق المال – الفدية.
مشكلة بعلبك الهرمل ليست أمنية فقط، في الأساس تاريخياً هي مشكلة تنموية وفقر وبطالة. هذه المنطقة، بلا تنمية تاريخياً. لا طرقات ولا مدارس ولا مستشفيات ولا مصانع ولا وافدين. طريق بعلبك الهرمل عانى من الحفر، حتى تولى الإيرانيون استصلاح 16 كلم منه، ودفعوا الثمن غالياً حتى أنجزوا مهمة تقتضي عدة أشهر بدلاً من سنوات. التعديات التي حصلت ضد المهندسين الإيرانيين عديدة. حزب الله تعهّد بضبط المنطقة ثم تركها كما هو معروف عنها من فلتان أمني، بحجة عدم الاستعداد لأي إشكال مع عشائر المنطقة وعائلاتها.
كان يقال إن الإقطاع العشائري والعائلي صحّر منطقة بعلبك الهرمل حتى تبقى خاضعة له. ربما في هذا الكثير من الصحة، لكن هذا الإقطاع كان أيضاً في زمن المارونية السياسية التي كانت تعطي للمنطقة «بالقطارة«. تفاصيل كثيرة وقصص أطول حول كل تلك المرحلة، فماذا عن مرحلة الإقطاع السياسي والحزبي؟
المزيد من الفقر والإفقار وعدم التنمية، رغم أن «الشيعية السياسية« قوية ومتمكنة. يكفي التحليق فوق الجنوب لاستطلاع خريطة التنمية المنفذة من طرقات ومستشفيات ومدارس أعدادها تفوق حاجة سكانها. الجنوبيون ضحوا بالكثير في المقاومة ويستحقون الاهتمام بهم وبمستقبلهم. فماذا عن أبناء بعلبك الهرمل، ألم يضحّوا كثيراً في المقاومة منذ كانت وطنية وصولاً إلى الإسلامية؟ كان قدر بعلبك الهرمل أن تكون خزاناً بشرياً من فاقدي الأمل بتحسن أحوالهم وأرزاقهم للانضمام إلى المقاومة سواء عن إيمان والتزام أو حاجة مادية.
منطقة بعلبك الهرمل مهجورة إنمائياً وأمنياً، إلى درجة أن أغلى متر أرض مروي أشجاره من المشمش باسقة لا يزيد على 20 دولاراً. منذ منعت زراعة الحشيشة وسرقت أموال الزراعات البديلة، تعمّق الفقر وتوسع. النظام السوري دعم عملية وأد كل المحاولات لإخراج المنطقة من الحرمان. مُنع الشهيد رفيق الحريري من الوصول إلى ما بعد زحلة. لا عذر للإقطاع السياسي والحزبي في كل ما جرى ويجري.
وزير الداخلية نهاد المشنوق، وزير شجاع وصاحب عقل ومقدرة على اتخاذ القرار المناسب للحالة المطلوبة، لكن هل سيُترك مع الجيش لتنفيذ خطة أمنية واسعة يجب أن تستكمل بخطة إنمائية حقيقية. ماذا عن الذين يخطفون في المنطقة هل يسمح بإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، أم أن ذلك لن يكون، بحجة دعم الجبهة في الجرد في مواجهة «داعش« و«النصرة«؟ اليوم لبنان من كبار الدول المنتجة للكبتاغون. كل فترة تتم مصادرة ملايين الحبات من هذا المخدر. هل جرى حتى الآن القبض على أحد المنتجين والمصدرين رغم أن الأسماء وعناوين إقامتهم أو مخابئهم معروفة؟
أيضاً وهو مهم جداً هل سيتم رَفد هذه الخطة الأمنية بخطة تنموية شاملة، أم ستُحرم المنطقة منها لأن الإقطاع السياسي والحزبي سيعتبرها مصادرة لمواقعه ونفوذه؟
حتى تنجح خطة أمنية يجب أن تكون شاملة وعادلة وواعدة بالتنمية. من دون ذلك سيبقى أبناء بعلبك الهرمل يتامى من حماية الدولة ومحرومين حتى ولو صار البعض منهم أغنياء. حتى ولو أمسك الشيعة بقرار الدولة فإن «تحليقهم» سيبقى ناقصاً ومعرضاً للانهيار لأن الطائر يحلق «بجناحيه» وليس بجناح واحد.
ولأنه لو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم.