IMLebanon

البقاعيون يتنفسّون الصعداء… “الإرث الأمني” تبدّل؟

 

العين على “داعش” بقاعاً. مجموعاتها لم تنته بعد وعناصرها ممن يخضعون للتحقيق يعترفون ان الجيش هدف ثابت. خطر “داعش” مثار انقسام بين من يعتبرها كذبة ومن يراقب مجموعاتها ويترصد تحركاتها عن كثب. الهمّ الامني المتنقل لا يحتل صدارة المتابعة سياسياً وسط زحمة الهموم المعيشية والصحية، فيما تغيب مناطق البقاع عن سلم المتابعة الاعلامية التي عادة ما تحظى به خلال فترة الانتخابات النيابية. حتى الامس القريب كان البقاع غارقاً في همه تحت سطوة العصابات المسلحة والتفلت الامني. غير ان تلك البقعة الجغرافية تستعد للتصالح مع العالم وتنفض عنها غبار مرحلة دفعت ثمنها من سمعتها واهلها.

 

بعيداً من الاعلام ومن البيانات التي اعتادت ان تبلّغ مسبقاً عن مهام القوى الامنية كما وكأنها تمنح فرصة لفرار المطلوبين، تشهد منطقة البقاع مواكبة امنية على الارض لم يعتدها الناس ممن بحت اصواتهم من شكوى فوضى السلاح والتفلت الامني، وكأن المنظومة الامنية السابقة قد تبدلت ليسود نهج مختلف، كفيل اذا استمر، ان يزيل صبغة الشؤوم عن منطقة كانت ضحية الفلتان لسنوات خلت ودفع ثمنها الاهالي غالياً.

 

في البقاع إرث متراكم مثقل بالفلتان والتسيّب. حقبة زمنية تسيدت خلالها العصابات على اشكالها والمحسوبيات السياسية التي كانت تضاعف اعباء المواطن البقاعي اللاهث خلف لقمة عيش مغمسة بالقهر والحرمان.

 

في البقاع لم تكن العصابات تهدأ، والفدية أرهقت التجار من كبيرهم الى الصغير، تشليح الناس وسلبهم كان العلامة الفارقة من البقاع الشمالي الى البقاع الغربي مروراً بالاوسط، مع كل انواع التهريب حيث يدخل المهربون بحماية مسؤول أمني احيل الى التقاعد مؤخراً والذي كان تعيينه سياسياً صرفاً، وعين خلفاً له ضابط سبق وخدم على الخطوط الامامية عند الحدود مع اسرائيل في جنوب لبنان. قبيل تعيينه تم استعراض مجموعة اسماء فكان الاصرار على شخصية امنية غير مستفزة وغير محسوبة بالمقابل على طرف سياسي، ولا تشبه الشخصية التي سبق وشغلت الموقع.

 

لمس البقاعيون اشارات تحسن واضحة للعيان، توقفت عمليات السلب وتم توقيف عشرات المطلوبين. أي ان تغييراً في النهج الامني المتبع بدأت تتلمسه المنطقة بحيث اختلف حاضرها عن الماضي اختلافاً واضحاً، ولم يعد اي مطلوب للعدالة او مخالف مطمئن البال عند توقيفه الى ان وساطة مرجعيته السياسية ستؤدي الى اطلاق سراحه حتماً، كما توقفت الاشتباكات في المناطق والتي كانت تجرى ليل نهار بينما يقف عناصر الجيش في موقع المتفرج العاجز.

 

خلال الحقبة الماضية وما تلاها ذاق البقاعيون المر جراء عمليات التواطؤ بين المخلين ومسؤولي الامن، وليس أقلها الرشاوى التي كان يتقاضاها البعض على مذكرات التوقيف، والغريب ان احد هؤلاء المسؤولين وبدل محاسبته أرسل في دورة عسكرية الى موسكو على سبيل التقدير. يشبّه احد البقاعيين الفترة الامنية السابقة في البقاع بأنها الاسوأ على الاطلاق حيث انتعشت العصابات الاشبه بالعصابات الكولومبية في عزها، وفي حال تدخل الجيش كان يتم استهدافه على سبيل الثأر والاسوأ بعد الثأر كيف كانت تحصل مصالحات بين الجيش والعشائر.

 

لكن وبتأكيد اهل المنطقة فإن الواقع اختلف عما كان عليه، ومنذ فترة قصيرة لم نعد نشهد عمليات سلب ونفذت مخابرات الجيش عمليات دهم لعصابات موجودة في قرى بقاعية عدة، ولم يستثن التهريب ولو انه خارج مهام عناصر المخابرات التي نجحت في الحد من عمليات التهريب التي بلغت ارقاماً خيالية، والخوة التي كان يتقاضاها المسؤولون عن المنطقة. لو تجرأت الدولة على فتح ملف الضباط الذي خدموا في البقاع لاكتشفت جنيهم ملايين الدولارات بطرق غير شرعية. ولكن لغاية اليوم لم نشهد محاسبة علماً ان كل المنطقة تعرفهم بالاسماء.

 

يعتبر مصدر أمني معني بالملف أن الأهم في ما جرى هو تغيير المنظومة وتبدل آلية العمل على ارض الواقع. تنفذ عناصر مخابرات الجيش مهمتها مباشرة ومن دون اعلان مسبق وتقوم بمداهمة المطلوبين وملاحقتهم، ما ساعد في توقيف عدد كبير من المطلوبين بقضايا السرقة والمخدرات، بحيث أصبح العمل الأمني هذه المرة لا يقف على خاطر السياسيين.

 

اسوأ ما اظهرته الوقائع الامنية منذ اتخذ قرار بسط الامن أن الغطاء السياسي يتم التلطي خلفه كسبب للتسيّب، وان القرار الامني متى توافر والارادة يمكن ان يغيرا الواقع. منذ شهرين نفذت عناصر مخابرات الجيش عمليات أمنية واسعة أدت الى توقيف عصابات سرقة وتم اقفال ثلاثة مصانع مخدرات، أوقفت الخوات وحفلات اطلاق النار العشوائي داخل السوق وفي الساحات، وتم ضرب الرؤوس الكبيرة من دون مراعاة اعتبار العائلات او العشائر ومنع الزجاج الداكن للسيارات.

 

المبشر في المشهد ان كل الظواهر السابقة توقفت وتنفس البقاعيون الصعداء وقد كان الأمن هماً اضافياً الى بقية همومهم المعيشية والصحية الصعبة. والتعويل على مخابرات الجيش بتشكيلتها الجديدة كبير والمعروف ان العنصر العسكري أعمى من دون المخابرات التي تفتح عينه على واقع الارض. لكن تبقى العبرة في استمرار هذا النهج المستجد الذي يقيّمه الاهالي بايجابية مع حذرهم الشديد وخوفهم من ان يكون الامن ضربات موسمية كما كان يحصل في السابق.