IMLebanon

سهل البقاع في عزّ أزمة المازوت: التلف «بالجملة والمفرق»

 

 

وجّهت أزمة فقدان مادة المازوت الضربة القاضية للزراعة في سهل البقاع. فبسبب استحالة تحصيل مادة المازوت التي يحتاجون إليها لتأمين عدادين المياه لمزروعاتهم، يعمد المزارعون اليوم إلى ترك حقولهم وتلف مواسمهم أو في أحسن الأحوال تشحيل المساحات التي تحتاج إلى الكثير من الري

 

لم تعد المزروعات في البقاع على «مدّ العين والنظر»، فكلما زادت الأزمة المالية ــــ الاقتصادية، تسقط دونمات كثيرة من «روزنامة» السنة الزراعية، حتى تكاد تضيع المواسم. قبل سنواتٍ، كانت أكبر المشاكل التي يعانيها المزارعون تأمين «عدادين» المياه… بالواسطة، وغالباً ما كانت تحلّ بفتح «السُّكر» من مكانٍ ما. أما اليوم، فقد انعدمت حتى هذه الوسيلة، بعدما وجد المزارعون أنفسهم رهائن أزمة فقدان مادة المازوت التي يحتاجون إليها لسحب المياه من الآبار الارتوازية أو البرك وضخّها باتجاه الحقول.

 

علاقة المواسم الزراعية بـ«مازوت الري» عضوية. فمن دون هذه المادة، لا خضار ولا فاكهة ولا غيرها، وخصوصاً أن هذه الأخيرة تحتاج إلى «عَدَادين مياه» يومية لا يمكن تحصيلها من دون آلاف الليترات أسبوعياً من المازوت. وبما أن اليوم، ثمة استحالة للوصول إلى الاكتفاء، يعمد المزارعون إلى «تقليص» دونماتهم لتخفيف الكلفة من ناحية والحفاظ على جزء ولو يسير من الموسم من ناحية أخرى، كما هي حال علي الحاج حسن الذي تخلّى عن 50 دونماً من البطاطا من أصل 70 «حتى إقدر كفّي بسقاية العشرين دونم، وإذا ما توفّر المازوت، يبدو حتى العشرين دونم رح اخسرهم». ما يقوله الحاج حسن ليس تهويلاً، بل واقع يعيشه معظم المزارعين. إذ إن فقدان مادة المازوت من السوق يشكل، بحسب معظم المزارعين، «خطراً كبيراً» على الزراعات بأنواعها المختلفة، إذ إن كلفة المحروقات توازي 30 في المئة من الكلفة الإجمالية للمنتجات الزراعية البقاعية، مع العلم بأن هذه النسبة ترتفع مع زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي والتركيز على المولدات لسحب المياه من الآبار واستعمال المضخّات لتوزيع المياه في الحقول.

في سهل القاع، أو ما يعرف بمشاريع القاع، وهو السهل الذي يجاور نهر العاصي، المورد المائي الأغزر، والذي يعدّ الشريان الزراعي الرئيسي للسوق اللبنانية بالمنتجات الزراعية على اختلافها، بدءاً من البندورة والباذنجان والفليفلة والحرّ وعدد كبير من الفواكه؛ في مقدمها البطيخ والشمام، يضطر المزارعون إلى اللجوء إلى «المهرّبين» لتأمين حاجتهم من المازوت. وبحسب الإحصاء الذي أجرته بلدية القاع أخيراً، بمساعدة مخابرات الجيش والأمن العام، تحتاج منطقة المشاريع إلى خمسة ملايين ليتر من المازوت شهرياً، لم تعد ضمن الإمكانيات اليوم. فبالنسبة إلى المزارع طوني مطر، بات المازوت «الهمّ الأكبر، وخصوصاً أنه لم يعد متوفّراً، يعني رضينا بالشحار والشحار ما رضي فينا، صرنا عم نترجى الموزعين والمهربين توفير المازوت وبالسعر اللي بحددوه حتى ما نخسر مواسمنا، والرد دايماً: ما في، بالوقت اللي بتلاقي صهاريج التهريب وسيارات البيك آب للسوريين ما عم تهدا وعم يتم التفريغ ع عينك يا أجهزة أمنية».

 

معظم المزارعين صاروا يفاضلون بين المزروعات ويتخلّون عن التي تحتاج إلى ريّ أكثر

 

 

بسبب تلك الأزمة، باتت خيارات المزارعين قاسية ومحدودة، تبدأ بتقليص مساحات حقول مواسمهم الزراعية الأكثر حاجة للري، وتنتهي بالتخلي عن المشاريع المكلفة. وقد ذهب معظمهم إلى المفاضلة بين حقولهم، فتخلّوا عن المساحات الأكبر مقابل الاحتفاظ بالمساحات الأصغر التي لا تحتاج إلى الكثير من الري، كما المفاضلة بين المزروعات. فيما استسلم آخرون للأزمة وتركوا مواسمهم، كما هي حال مخول رزق الذي تخلّى عن موسم الكوسى في سهل القاع، متسائلاً: «من وين بجيب مازوت حتى إسقي حقلي… بروح بترجّى وبشحد كم ليتر مازوت، وبينباع العشرة كيلو كوسى بأقل من سعر شرحة البلاستيك اللي صارت بـ 12000 ليرة؟».

آخرون تركوا المواسم بسبب أسعار المحروقات التي لا تتوقف عن الصعود. ففي غضون أيام ارتفع سعر صفيحة المازوت من 120 ألف ليرة إلى 170 ألفاً، وهذا ما يعتبره المزارعون في سهل البقاع كارثياً على الإنتاج. في أحد الحقول هناك، يجهد مسعود مطر لإنهاء «حواش» البندورة الأردنية (العمانية الخاصة بالمونة المنزلية) والشمام. يعبر عن سعادته للنوعية والكمية في موسمه الزراعي، لكنه في المقابل يعبر عن أسفه للتخلي عن موسم الباذنجان. العمال يعمدون إلى قطف الباذنجان ومن ثم رميه بين الحقول للمواشي، ويقول مشيراً بيده إلى الموسم التالف: ««شوف ملّا إنتاج. مش حرام ينرمى علف للمواشي؟».

الياس الخوري صاحب «حسبة» صغيرة لبيع الخضار في بلدة القاع يلفت الى «همّ آخر» وهو «جشع تجار المفرق والجملة على حساب المزارعين»، موضحاً أن مزارعين يعتمدون في لقمة عيشهم اليومية على بيع بضع شرحات من الكوسى والبندورة، «ومع اختفاء المازوت تركوا مشاريعهم بعدما استغل التجار الأمر ورفعوا سعر الشرحات البلاستيكية وأكياس النايلون، فيما سعر المنتوجات صار بالأرض». ففي الوقت الذي يباع فيه كيلو البندورة للتاجر «بـ 1100 ليرة في القاع، لا يباع في أي دكانة من بعلبك وإنت رايح ع بيروت بأقل من 4000، أما الجنارك فبيعت بالقاع للتجار بسعر 12 ألف ليرة وبيعت في الأسواق بسعر 65 ألفاً».

وعليه، وبما أن أزمة المحروقات لا أفق لها، يبقى أن واقع الحال الزراعي لا ينبئ بالخير بالنسبة إلى المزارعين، فكل المؤشرات تدل على كارثة زراعية سواء على المزارعين أو المستهلكين، حيث ستنسحب مسألة تخلّي المزارعين عن مزروعاتهم وعدم توفر المازوت لريّ الحقول والمواسم، ارتفاعاً في الأسعار من دون ضوابط، عدا عن تلف المحاصيل على اختلافها مع بساتين كانت يوماً مصدر رزق وإنتاج.