IMLebanon

البقاع يبكي العسكريّين الشهداء: أين العدالة؟

بعد ثلاث سنوات وستة وعشرين يوماً مجبولة بالحزن تارةً والأمل تارةً أخرى، وما بينهما من عذابٍ وقلق على مصير أبنائهم، كانت إرادةُ الشهادة أقوى، وأبى الدم إلّا أن يُعمِّدَ ترابَ الوطن، ومعه تشرق شمسُ الإنتصار والتحرير، وتعود الأرض إلى كنف أصحابها، وتُطوى صفحاتٌ سوداء بدءاً من الأسر إلى كشف المصير ليُكتب في النهاية نصر على الإرهاب ودحره إلى خارج الحدود.

مع كشف مصير أبنائهم في إنتظار تحديد هوية كل منهم، يتجدّد الحزن والأسى الذي ما انقطع يوماً. لا شيء يوازي حزن الأمهات الثكالى على فراق فلذات أكبادهن، ولا مواساة يمكن أن تعوّض الخسارة، وكأنّ قدرهنّ أن يعشن والدمع لا يفارق عيونهن.

من بلدة حورتعلا حيث تربّى العسكري الشهيد علي زيد المصري، إبن الرابعة والثلاثين، على حب الوطن والدفاع عنه، إلتحق وشقيقه قاسم بالجيش اللبناني، وهو ابنُ عسكريّ متقاعد من الجيش أفنى حياته في خدمة المؤسسة، وغيّبه الموت قبل أن يفجع بولده ويشهد على أسره عام 2014، ويعيش لوعة المعاناة التي عاشتها الوالدة ليلى.

إثنتا عشر عاماً امضاها علي في خدمة المؤسسة العسكرية التي آمن بها وأحبّها، وذوداً عن وطنه خرج في رحلته الأخيرة إلى مركز خدمته في عرسال عام 2014، تاركاً ولده عباس الذي لم يكمل شهره الخامس حينها، إضافة إلى حسين والتوأم بنين وزيد وحنين إبنة العشرة أعوام.

واليوم يتحضّر عباس إبن الثلاثة أعوام ونصف لإستقبال جثمان والده الشهيد فاقداً وأشقاءه حنان الأبوّة.

منذ أمس نُصبت الخيَم وأقيمت مجالس العزاء في إنتظار تحديد هوية الجثمان حيث حضرت صباحاً دورية من مخابرات الجيش برفقة الأدلّة الجنائية لأخد عينات من الحمض النووي من والدة الشهيد لمطابقتها مع الفحوص التي جرت في المستشفى العسكري، كذلك جالت الأدلّة على أهالي الشهداء في المنطقة لأخذ العينات.

بعين العتب على الدولة وتحميلها المسؤولية، مطالبةً بحق ولدها، تتوجّه والدة المصري إلينا بعدما أنهكها طول الصبر والإنتظار، فيما الزوجة زهراء تكتفي بالقول «الحمل كبير».

«ما تعمل شي، لا تخطف، إقطع الأمل، ودير بالك على أمي»، بهذه الكلمات توجّه العسكري الشهيد علي المصري إلى شقيقه حسنين في آخر إتصال بينهما بعد الأسر بأربعة أشهر وثمانية عشر يوماً، بعدما كانت العائلة في لحظة غضب خطفت شخصين من عرسال أطلق سراحهما بعد أيام بتدخّل من الشيخ محمد يزبك.

وفي حديث لـ«الجمهورية» يحمّل حسنين الدولة مسؤولية ما جرى ويقول: «كان على الدولة أن تتحرّك، وليس بعد ثلاث سنوات أن تأتي به شهيداً وتفتح باب الحزن مجدداً، فالشهادة لدينا شيء عظيم وهي من أسمى المراكز، وما يبرّد قلوبنا هو عودة الرفاة ليكون له قبر نزوره، فهو بطل لم يترك مركزه ويهرب أثناء المعركة».

علي الحج حسن

وعلى المقلب الآخر في بلدة شمسطار، تتحضّر عائلة الشهيد علي الحج حسن لإقامة عرس الشهادة له وإستقبال الأبطال، حيث يستقبل والده المختار يوسف المعزّين، ويعلّق الشباب اليافطات والصور للعريس الشهيد.

يشرح الوالد لحظات الإتصال الأخير مع ولده منتصف العام 2015 والدموع في عينيه، يذكر أنّ آخر جملة قالها له: «إذهب إلى اللواء إبراهيم وإلّا ستفقدني». عبثاً حاول الوالد إنقاذ ولده، تسارعت اللقاءات مع المسؤولين، لكنّ الجميع باع القضية بحسب الوالد.

ويضيف المختار أنّ «علي كان يقاتل على جبهة عرسال، فمَن إختار هذه الطريق سيكون أحد خياراته الشهادة، ولكنّ الخيانة والتقصير هما ما حزَّ في قلوبنا، معزِّياً النفس بحمد الله أنّ علي لم يترك ساحة المعركة». ويطالب العميد شامل روكز بكشف حقيقة ما حدث في المعركة فهو كان حاضراً، وإذا منعته السياسة من الكلام فرجولته لن تمنعه. ويدعو الى محاسبة كل مَن ساهم في التقصير وتضييع العسكريين، سائلاً «في ظلّ غياب القضاء عن محاسبتهم لمَن نلجأ؟».

عباس مدلج

بدورها، تنتظر عائلة الشهيد عباس مدلج نتائج البحث عن رفاة جثمانه، بعدما كانت توقّفت عمليات البحث، وإستُؤنفت صباح أمس بعد ورود معلومات الى الأمن العام عن مكان دفنها، حيث شقّت الجرافات الطريق إلى المنطقة وبدأت عملية البحث من دون الوصول إلى نتيجة.

والد الشهيد الصابر على الجرح، يطالب الدولة بالتحرّك وكشف مكان الجثمان والعودة به إلى ربوع الوطن، ليتسنّى له ولوالدته زيارته عند كل إشتياق، لكنّ حدود صبر الوالد بحسب ما قال تتوقف عند عدم العثور والعودة بالرفاة، عندها يصبح كل عرسالي هدفاً له ليأخذ ثأره الذي لن ينطفئ.

ومع تجدّد الحزن، ينتظر الأهالي نتائج فحوص الحمض النووي للتعرّف الى أبنائهم، وإقامة المراسم التي تليق بهم كأبطال دافعوا عن الأرض حتى الرمق الأخير، وليكون لهم مرقد يلجأون إليه لزيارتهم، ومعها يقفل ملف الجرود كاملاً.

إتمام الصفقة

من جهة ثانية، سلكت الصفقة بين «حزب الله» والنظام السوري وتنظيم «داعش» طريقها نحو التنفيذ، حيث تجمّعت سبعة عشر حافلة في منطقة قارة السورية لتقلّ مسلّحي «داعش»، وإنتقل أمس عدد من عائلات المسلّحين من مخيمات النازحين في داخل عرسال عبر وادي حميد إلى الجرود، ومنها إستقلّت الحافلات مع المسلّحين وانتقلت إلى الأراضي السورية عبر معبر الشيخ علي- الروميات الواقع في القلمون الغربي، ومن هناك إلى منطقة البوكمال في دير الزور، فيما نقل الهلال الأحمر السوري 25 جريحاً من المسلّحين، وقد واكب الحزب عناصر التنظيم إلى الأراضي السورية ومن هناك تواكبهم فرقة خاصة من الجيش السوري.