بالتأكيد لم تحجب التطورات الاقليمية الأخيرة، وتحديداً في تركيا، على أهميتها حالياً واستراتيجياً، متابعة أفرقاء لبنانيين للاستحقاقات المتراكمة في الداخل اللبناني، حيث الأنظار تتجه الى مطلع الشهر المقبل، موعد «ثلاثية الحوار الوطني» في الثاني والثالث والرابع من شهر آب.. والكل يتساءل عما اذا كانت هذه «الثلاثية» سوف تأتي بجديد ما، على صعيد الملفات اللبنانية، وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية جديد، وصياغة قانون جديد للانتخابات النيابية، وقد قطع الرئيس نبيه بري الطريق على كل التأويلات والاجتهادات التي صاحبت دعوته الى «السلة الكاملة» مؤكداً تمسكه بـ»اتفاق الطائف».
الواضح، ووفق المعطيات المتوافرة، والمواقف المعلنة، أقله في الأيام الماضية، فإن الافرقاء السياسيين الأساسيين لازالوا على مواقفهم المعروفة منذ بداية الازمة – الازمات، ولم «يتزحزحوا» قيد أنملة عن تلك المواقف على الرغم من قناعة الجميع بأن أحداً لن يصل الى مبتغاه من غير «تسوية» يكون الخارج الدولي والاقليمي والعربي شريكاً أساسياً وفاعلاً فيها، بل صانعها؟! وهذه «التسوية» لم تنضج بعد، على رغم ما يشاع عن تبدلات في المواقف وفي الخيارات وتقدم في أسماء البعض وتراجع البعض الآخر..
يستسهل عديدون رمي التهم، وتحميل مسؤولية ما يجري لهذا الفريق الاقليمي او لغيره.. واذ يتمسك البعض بأولوية انتخاب رئيس للجمهورية، فإن غير فريق لايزال يراهن على «السلة الواحدة» بعدما أدار «الافرقاء المسيحيون» الظهر الى دعوات «التوافق المسيحي» على رئيس للجمهورية، ومن بعدها «لكل حادث حديث..».
المراوحة الداخلية السلبية مستمرة، وهي تتحكم بالملفات جميعها، من رئاسة الجمهورية المحاصرة من قبل أفرقاء يقاطعون الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس ويعطلون النصاب، كما ومحاصرة من آخرين باعلان رفض ترشيح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون، الى قانون الانتخاب الذي يدور هو أيضاً في حلقة مفرغة بين «النسبية» و»الأكثرية» و»المختلط» من دون أي توافق على تقسيم الدوائر وتوزيعها.. الى الملف الجديد المتمثل بملف النفط والغاز، الذي اثار غضب الرئيس نبيه بري جراء عدم ادراجه على جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء «خصوصاً وان كل تأخير في استثماره يصب في مصلحة «إسرائيل» الطامعة في ثرواتنا..»
الرئيس بري، المعروف بمهارته في «تدوير الزوايا» يرفض هذا الأمر في مسألة النفط والغاز.. أما سائر الملفات فاحتمالات تدوير الزوايا واردة «ونحن – على ما يقول مقربون من رئيس المجلس – سندخل الى جلسات الحوار، مطلع آب المقبل بكل جدية وايجابية..» «وهي فرصة قد لا تعوّض، ان لم نتوصل الى نتائج ايجابية.. وباتفاق حول قانون الانتخاب، لأنه المشكلة الأكبر على المستوى الوطني..».
الذي يطرح على الدوام، وهو الى أي مدى تبلغ مرونة الرئيس بري في معالجة مسألة قانون الانتخاب، وهو الذي ينأى بنفسه، عن تسمية الاشياء بأسمائها في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، التي وضعها بنداً أساسياً من بنود الحوار، وخلص الى تحديد مواصفات الرئيس، من تسمية أي أحد..
ليس من شك في ان بري يراعي علاقته بـ»حزب الله»، وان «حزب الله» يراعي علاقته بالرئيس بري.. وهذا «الثنائي» نموذج.. وهو إذ يتمسك بانتخاب رئيس الآن، إلا أنه بات يعطي قانون الانتخاب حيثية كبيرة خصوصاً أكثر، اذا تعذر انتخاب الرئيس.. وبالنسبه اليه فإن التمديد لمجلس النواب مرة ثالثة غير وارد، وهو سبق ان هدّد بالغضب الشعبي..
كيف يكون فك الحصار عن رئاسة الجمهورية، وهل يملك الافرقاء اللبنانيون هذا القرار بمعزل عن المحاور الخارجية التي ينتظمون فيها؟!
في قراءة رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع «ان هناك ثغرة وحيدة لفك هذا الحصار من خلال تبني ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.. وإلا فإن الحصار يشتد أكثر فأكثر..». لكن السؤال الى أي مدى هذا الاحتمال وارد؟!
يحمل جعجع، كما سائر أفرقاء 14 آذار، «حزب الله» المسؤولية عن عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية فهو، أي «الحزب»، «المعرقل الفعلي».. وعون حليف الحزب وكان عليه جمع 8 آذار لانتخاب الرئيس.. واعتبرنا ان تبنينا لعون يعني فك الحصار عن الرئاسة من قبل «حزب الله»، ولكن ما حصل كان مغايراً..».
في المقابل، فإن «حزب الله» يتهم المملكة العربية السعودية بعرقلة انتخاب رئيس الجمهورية، بالنظر الى علاقتها الوطيدة والمتينة مع العديد من الافرقاء اللبنانيين، وفي طليعتهم «المستقبل» الذي، لايزال عند خياره، يتبنى ترشيح رئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية.. والمملكة ترفض هذا الاتهام جملة وتفصيلاً، وهي لم تدع مناسبة إلا وتؤكد فيها ان انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان هو مسؤولية الافرقاء اللبنانيين دون غيرهم، ولذلك، ذهبت بعيداً في الدعوة الى «لبننة» هذا الاستحقاق.
الواضح الى الآن، انه وعلى رغم انفتاح عديدين، من «المعسكر الآخر» على العماد عون، فإن الزعيم البرتقالي، لا يظهر في السر ولا العلانية، انه في وارد مراجعة نقدية لعلاقته مع «حزب الله» حيث يرى أفرقاء أساسيون في 14 آذار، وتحديداً جعجع، وجوب، او ضرورة الفصل بين العماد عون و»حزب الله» لانتخاب رئيس للجمهورية.. ما يعني انه مادام عون و»الحزب» حلفاء فلن تكون فرصة لوصوله الى بعبدا.. الأمر الذي يستدعي البحث بجدية، وبشبكة اتصالات أوسع، عن اسم للرئاسة من خارج الأسماء المتداولة، او من خارج الاقطاب الأربعة الذين باركتهم بكركي.. وهي مسألة قيد التداول ضمن أقنية ضيقة جداً، وان كانت حملة احتضان عون من أفرقاء كانوا على قطيعة معه، ماضية في طريقها وبمزيد من التفاؤل؟!