أنا شيعي علماني ليبيرالي، معروفٌ بكتاباتي التي تُعْلي من الشأن الانساني وقِيَم المجتمع المدني على حساب المذاهب والخلافات الطائفية. مَن يتابعني يعرف كم أؤمن بالإنسان كقيمةِ حياةٍ بحد ذاتها وأن مَن يسيء له انما يسيء الى خالقه أيضاً الذي أَوْجَدَه في أحسن تقويم. كل مَن يتابعني يعرف أنني غير متعصّب، فأنا الكاتب عن أهمية تركيزِ العرب والمسلمين على القضايا الاجتماعية، من تربيةٍ وتعليمٍ وصحةٍ وشيخوخةٍ وتَقدُّمٍ تكنولوجي.
لستُ طائفياً، ومع ذلك لم أنبس ببنت شفة عن تدمير بشار الأسد للمدن السورية ودمْج عظام أبنائها وبناتها بشظايا البراميل المتفجّرة. لم أنتقد ولو بكلمةٍ خروج ميليشيا «حزب الله» المذهبية الشيعية من لبنان الى سوريا، تارةً بحجةِ حماية لبنانيين على الحدود، وطوراً بحجةِ المراقد المقدّسة (رغم آرائي المعروفة في كثرة المراقد وتعظيم قدسيّتها)، ثم أخيراً لمحاربة الفكر المتطرّف المتمثّل بـ«داعش» و«القاعدة» قبل ان يتمدّد ويصل الى لبنان.
لستُ طائفياً، ومع ذلك لم أهاجم دخول إيران الى سوريا لقتْل شعبها الذي انتفض ضدّ نظامٍ ديكتاتوري. لم أعلّق على وجودِ لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو لواءٌ عقائدي بالكامل، في العراق وسوريا ولبنان ناهيك عن دول اخرى يُكلَّف فيها بعملياتٍ خاطفة. لم تلفتني صورة قائد اللواء قاسم سليماني فوق أنقاضِ كل مدينةٍ سورية مدمَّرة، او في مقدّمة الطلائع العسكرية العراقية قرب الموصل.
لم يعنِ لي شيئاً، وأنا المنظّر الليبرالي العلماني اللاطائفي، وجود عصائب حق وعصائب أهلها ومجموعة النجباء وميليشيات شيعية مذهبية من أفغانستان وباكستان وقوات حشد شعبي تقتحم المشهديْن العراقي والسوري، في مشهدٍ مماثل للنفير المقدّس القادم الى المنطقة زمن الحروب الصليبية. فموت هؤلاء هو استشهاد حيث يكون جغرافياً ومع مَن يكون… بشرياً.
لست طائفياً، لكنني لا أدري لماذا لم أكتب منتقداً جماعات إيران في العالم العربي وهي تهتف بعباراتٍ مسيئة لدولٍ عربية فقط لأنها قررتْ مواجهة تَمدُّد إيران في اليمن. دولٌ عربية تُشْبِهُني وأُشْبِهُها وأَنتمي لها ولمنظومتها، وتحتضن عشرات آلاف الوافدين الباحثين عن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الهاربين من عفن السياسة… فعلاً لا أدري لماذا لم أكتب، لكنني أدري أنني لستُ طائفياً.
… وأنا ايضاً، سنّي علماني ليبيرالي، معروفٌ بتَقَدُّميّتي وجنوحي الى الحداثة ودعوتي الدائمة الى إسلام مستنير خالٍ من الشوائب. لذلك أرتدي دائماً أفضل البذات وربطات العنق وأستخدم أغلى العطور، وأخرج الى المحافل الدولية متحدثاً عن عدالة الدين ومنفتحاً على الاوروبيين والأميركيين، وحتى أنني أسستُ الى جانب مجالات الدعوة الوسطية مجموعة أعمالٍ تتعلق بالتكنولوجيا ووسائطها وتعاونتُ مع شركاتٍ عالمية لتسويق منتجات إلكترونية، آملاً في ان أرى جيلاً مسلماً متألّقاً تسوده ثقافة العمل والإنتاج وقبول الآخر.
لستُ طائفياً، ومع ذلك لا أدري لماذا لم يستثرني منظر إخوةٍ لي في الدين وهم يهلّلون لتفجير البرجين في 11 سبتمبر عبر قراصنة «القاعدة»، ولماذا أقول أحياناً «الشيخ» اسامة بن لادن، او في أقصى التوجهات أعتبر انه «ضلّ عن جوهر التسامح الذي يمثّله ديننا الحنيف»، وأدعو لرفاقه وأتباعه بالهداية. كي أكون منصفاً، لا أشعر بأنهم يمثّلونني، لكن الإنصاف يقضي ايضاً بالقول إنني لم أكتب عن الإرهاب والإرهابيين ربع ما كتبتُه عن آخرين ومواضيع أخرى.
لستُ طائفياً، ومع ذلك اعتبرتُ مهمّة محاربة الفكر الديني المتطرّف والنهج الإرهابي مسؤولية الأميركيين والأوروبيين. لم أردْ ان أحاربهم أنا بكل الوسائل المتاحة لي كي لا أخسر قواعد محتملة. بل أكثر من ذلك، لم أكن أتأثّر أبداً بأيّ عملية للقاعدة ضد الأميركيين والأوروبيين في العراق بعد سقوط بغداد، بل كان في داخلي شيءٌ ما يتعاطف مع منفّذي العمليات وإن كنتُ أصرّح في التلفزيونات الغربية عكس ذلك. والشيء نفسه كان ينطبق على العمليات الإرهابية ضد مدنيين في بغداد ومدينة الصدر والنجف وكربلاء. نستنكر انما ليس بحجم كرة الرعب التي تكبر.
في الظاهر، كتبتُ عن الوحدة الوطنية والإسلامية، انما عندما ألتقي مسؤولاً غربياً أحذّره من «الخطر الشيعي»، وأُجري مقارباتٍ عن جوهر الصراع في المنطقة على أساسٍ مذهبي. طبعاً كان يمكن ان أقول إن الخطر إيراني، لكن ربما كانت مصلحة الأمة تقضي بأن نضع الشيعة جميعاً في سلّة إيران ونخلق بالتالي عصَباً مضاداً يمكن ان يزيد مساحة قواعدنا.
لستُ طائفياً، «داعش» يخيفني حين يفجّر عندي او قريباً مني، لكنني لا أشعر باستياءٍ مماثلٍ تجاهه حين تحاربه قواتٌ دولية ونظامية عراقية وأخرى «حشدية» مذهبية شيعية. لا بل أركّز في مقالاتي وتغريداتي على «جرائم» الميليشيات الطائفية وأنسى جرائمه. وأيضاً لا أعرف لماذا لم أنتقد الجولاني أمير «القاعدة» في سوريا حين اعتبر ان الصراع في سوريا أبعد من إسقاط الأسد وأن الجوهر الحقيقي له يعود الى 1400 سنة… الى الخلاف مع الشيعة. فعلاً لا أعرف… لكنني لستُ طائفياً.
لستُ طائفياً، أتحدّث في دروسي الدعَوية عن الاختلافات بيننا وبين الغربيين وأوصي بتَفَهُّمها واحترام خصوصياتهم لان ذلك أقصر طريق للحوار الحضاري والتعاون والتعايش، لكنني لا أفعل ذلك عندما يتعلّق الأمر بمَن هو أقرب لي. لا أدري لماذا أحاضر عن زيارة القبور أكثر من الحديث عن صفاء القلوب، وعن الاختلافات الشكلية الثانوية في الفروع مع المذهب الجعفري أكثر من المشترَكات الأساسية … فعلاً لا أدري، لكنني لستُ طائفياً.
وأنا مسيحي علماني ليبيرالي، معروفٌ بتَقَدُّميّتي ونظرتي الإنسانية … ومن دون إطالة، القصة نفسها، أنا أيضاً لستُ طائفياً.
الحمد لله انكم صدّقتموني!