Site icon IMLebanon

المستفيدون من سقوط الرمادي

سقوط مدينة الرمادي في يد تنظيم «داعش» نسخة مكررة بالصوت والصورة عن المصير الذي تعرضت له مدينة الموصل قبل عام من الآن. الجيش العراقي يهرب كالغزال، بما استطاع من آلياته. وما لم يستطع حمله يبقى مؤونة في يد إرهابيي التنظيم يستخدمونها للتقدم الى مواقع أخرى. أما أبناء الرمادي ومحافظة الأنبار فيهربون بما تمكنوا من حمله الى حيث يستطيعون الوصول، فيما تقف حواجز الجيش والشرطة في وجههم على أبواب بغداد خوفاً -كما تقول- من أن يتسلل عناصر «داعش» بين صفوفهم إلى العاصمة.

في هذا الوقت يهرع الإيرانيون الى نجدة الحكومة العراقية. وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان هو أول الواصلين إلى بغداد، فيما مستشار المرشد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي يُنظر إليه في العواصم على أنه وزير الخارجية الفعلي لإيران، يعلن من بيروت ودمشق، إحدى عاصمتي «الإمبراطورية الإيرانية» المستحدثة، إلى جانب بغداد وصنعاء، أن طهران على استعداد لمساعدة الحكومة العراقية إذا طلبت منها ذلك «بشكل رسمي كبلد شقيق»، وهو ما يعني بترجمته العملية، أن تعلن حكومة بغداد بصورة علنية وواضحة أن مصير العراق هو في يد الإيرانيين إذا أراد انقاذ محافظاته من تقدم «داعش».

ربما يسأل سائل: أين الأميركيون من كل هذه التطورات؟ ماذا تفعل إدارة باراك أوباما التي انسحبت من العراق بعد احتلاله وسلّمت شؤون إدارته إلى الإيرانيين؟ يقول جون كيري وزير الخارجية إن سقوط الرمادي في يد «داعش» لن يطول، وإن تحريرها سيتم خلال أسابيع. ولا يعارض مسؤولون أميركيون آخرون مشاركة إيران من خلال ميليشيا «الحشد الشعبي» في مواجهة «داعش»، طالما أن ذلك يتم تحت إشراف القيادة العراقية. وعلى رغم ما في ذلك من استخفاف بالعقول، لأن المعروف أن «الحشد الشعبي» يتلقى أوامره وحتى أسلحته ومعداته من إيران، فإنه يعني إقراراً بأهمية الدور الإيراني وبالحاجة إليه لتحرير أكبر محافظات العراق ذات الأكثرية السنّية.

لا شك في أن سقوط الرمادي يشكل نكسة كبيرة للمشروع الوطني في العراق، ولبناء جيش موحد قادر على تحمل مسؤولياته في كل المناطق العراقية، بصرف النظر عن هويتها الطائفية. لكن هذا الأمر ليس مفاجئاً. لقد بدأت عملية تدمير الجيش العراقي على يد الأميركيين من خلال ما أطلق عليه بول بريمر «تنظيف المؤسسات من حزب البعث» (de baathification)، واستمر ذلك مع إعادة بناء الجيش على أسس المحاصصة الطائفية والمذهبية واستبعاد الكفاءات، وخصوصاً في ظل حكومة نوري المالكي التي أهدرت بلايين الدولارات على بناء جيش تبين في النهاية أنه وهم. وأثبتت خطة الاستعانة بالجيش فشلها مرة بعد مرة كلما كان مطلوباً منه القيام بمسؤولياته في حماية المناطق السنّية التي تتعرض لهجمات «داعش».

ليس هذا فقط، بل إن الحكومات العراقية المتعاقبة وضعت سياسة إقصائية للسنّة في العراق، إذ فيما كانت الأقاليم الكردية في الشمال توفر حمايتها الذاتية، كما تتولى الأجهزة الحكومية تحت العباءة الإيرانية حماية محافظات الجنوب، بقيت المحافظات الأخرى من دون حماية. وفي حالة الرمادي تكرر ما حصل في الموصل قبل عام، ومن بعدها في تكريت، حيث مُنع أبناء العشائر من الحصول على السلاح لحماية أنفسهم، بحجة أن هذا السلاح يمكن أن ينتهي في يد «داعش»… فإذا بالتنظيم الإرهابي يستولي على أسلحة الجيش العراقي التي كان يفترض أن تكون موجودة لحماية المواطنين.

هكذا يتأكد اليوم سقوط العراق فريسة نزعتين إقصائيتين: «داعش» من جهة والميليشيات الشيعية من الجهة الأخرى. تقدّم «داعش» يبرر لهذه الميليشيات نفوذها المتعاظم، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على مواجهته. وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق والشعور المتمادي بين السنّة العراقيين بتهميشهم في مواقع القرار يجعلهم الضحية الأولى لمشروع «داعش». أما الذين يقفون منهم ضده فلا يجدون أمامهم سوى الهرب إلى المجهول أو مواجهة الذبح بعد تخوينهم من قبل التنظيم الإرهابي.