أن يتربَّع سامي أمين الجميّل على رأس حزب الكتائب ليس خبراً جديداً، فالشاب أمسَك بمفاصل الحزب على مساحة لبنان فكرّسه المؤتمر العام الثلاثون رئيساً في منتصف ثلاثينيات عمره في جوٍّ انتخابي ديموقراطي لا يمكن إخفاؤه أو التقليل من أهميته. وزاد من صدقيّته مسلسلُ الطعون التي ردت قضائياً. وهو ما طرح سؤالاً عن مرحلة ما بعد الرئاسة؟!
سيتسلّم الشاب الثلاثيني الجديد مهماته الحزبية رئيساً للحزب ومعه القيادة الجديدة متمثلة بنوابه والمكتب السياسي في منتصف تموز المقبل بعدما أقرّ المؤتمر العام الثلاثون الذي يُعتبر أعلى سلطة حزبية تنبثق منه كلّ السلطات تقليص ولاية القيادة الحزبية الحالية شهراً تقريباً.
فولاية الرئيس أمين الجميّل ونوابه وأعضاء المكتب السياسي والسلطات الحزبية المنتخَبة كان مقرّراً لها وفق النظام العام أن تستمرّ الى منتصف آب المقبل بإجماع المؤتمرين الأربعمئة تقريباً من دون أيّ نقاش يُذكر سوى بطلب التوضيحات.
كان الجواب أنّ العملية نظامية وسبق للمكتب السياسي أن ناقش الإقتراح واتفق على رفعه الى المؤتمر وإدراجه بنداً على جدول الاعمال باعتباره قراراً لا يؤخذ إلّا من صلاحيات المؤتمر العام. فاستجاب المؤتمر بالإجماع لإطلاق يد القيادة الجديدة الشابة للحزب بهدف تصحيح بعض التواريخ النظامية امام وزارة الداخلية وإتمام المراحل التي من شأنها إستكمال عدد أعضاء المكتب السياسي ليكتمل عقده.
الى هذه المرحلة ما زال الحديث عن عملية انتقال السلطة في الحزب وهي جارية بشكل طبيعي وفق روزنامة مواعيدها المحدَّدَة بدقّة الساعة الكتائبية للبدء مباشرة بمواجهة الإستحقاقات التي تنتظره، وبما تفرضه علاقات الحزب الداخلية مع حلفائه ومكوّنات البلد، فالحزب حاضر بقوة في الحكومة والمجلس النيابي، بالإضافة الى ما ستفرضه الظروف من مواقف في الشؤون الإقليمية والدولية.
فعلى المستوى الداخلي إحتفط الرئيس الجديد بهامش واسع من عدم التدخل في الإنتخابات الحزبية ولم يصدّق ولن يصدّق أحدٌ أنّه لن يُتهم بوصول أحد من المنتخبين الى موقعه بتدخّله، فجميعهم من أصدقائه بعدما حاذر البعض الإحجام عن المشاركة في العملية الإنتخابية لمعرفته أنّ الدور المقبل لفريق من الشباب لا بدّ أن يتحمّل المسؤولية، فتصدروا أرقام صناديق الإقتراع في عملية أخذت مداها وكان على الرئيس الجميل وسامي معاً انتظار ما ستفرزه الصناديق في لعبة تحالفات شاركت فيها كتلٌ ناخبة ممثلة للأقاليم والندوات والمصالح الحزبية بعيداً من منطق الفيتو على هذا أو ذاك.
وبعد الشؤون الحزبية التي يمكن تجاوزها بسهولة، وما يمنحه النظام من صلاحيات للقيادة الجديدة، فقد تجاوز المؤتمر ما سيكون عليه دور الرئيس أمّين الجميل الذي سلّم الأمانة واقفاً على رجليه متمتِّعاً بشجاعة يشهد لها الجميع. فقد منحه المؤتمر العام صلاحيات محدَّدة تبقيه العين الساهرة من فوق وبما يسمح له برعاية المرحلة الإنتقالية الى أن يقوى عود القيادة الجديدة لتنطلق في مهماتها الكبيرة.
أمّا على المستوى السياسي الداخلي، فهناك مَن يعتبر أنّ ردات الفعل الشعبية والإعلامية الأولى على انتخاب سامي رئيساً أقرّت له بدعم غير محدود ما يدلّ على أنّ صفحة جديدة ملؤها الإحترام لهذا الشاب المدبر الى المواقع السياسية والحزبية الأمامية وسط إستعدادات بأنّ الإعلام على أنواعه سيكون الى جانبه ما عدا بعض الأقلام الذي عبّر عن أجواء سياسية وحزبية لم تتحمّل بعد انتقال السلطة في حزب عريق الى شاب فيما كلّ ساحات المواجهة مفتوحة في ما بينها في القطاعات الشبابية والطالبية، فاستحق البعض ممّن يقودون التيارات الشبابية في أحزابهم وتياراتهم خوفهم على مواقعهم من مواجهة صعبة لا يتنكّر لها أحد.
أمّا على مستوى الحلفاء السياسيين ولا سيما «14 آذار»، فالجميع يعرفه ولن يدخل نادياً جديداً للتعرف اليه، فهم يعرفونه ويعرفهم خير معرفة وهم يتحسّبون للمرحلة بأبعادها المختلفة. وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي فللرئيس الجديد مشاركته في صياغة الكثير من القرارات الخارجية التي عبّرت عنها مواقفه ومعه الكتلتان النيابية والوزراية وهي بمعظمها من الثوابت في تاريخ الكتائب ولن تتأثر إلّا باسلوب الرجل.
تبقى الإشارة أخيراً الى أنّ الرئيس العتيد نجل رئيس سابق للجمهورية ورئيس للحزب وشقيق شهيد الشباب الوزير والنائب بيار امين الجميل وابن أخ الرئيس الشهيد بشير الجميل وابن عم الشهيدة الطفلة مايا وابن خال الشهيد ايلي أسود وحفيد الرئيس المؤسس للحزب الشيخ بيار الجميل، ولذلك كلّه كانت زيارته الأولى بعد إعلان فوزه الى مقابر العائلة التي يستمدّ منها جزءاً كبيراً من قوّته قبل ان يبدأ باستعراضها في مقبل الأيام.