Site icon IMLebanon

فوائد القرار 1559 على «حزب الله»

 

«غد بظهر الغيب واليوم لي

وكم يخيب الظن بالمقبل

ولست بالغافل حتى أرى

جمال دنياي ولا أجتلي

فلا تشغل البال بماضي الزمان

ولا بآتي العيش قبل الأوان

واغنم من الحاضر لذاته

فليس في طبع الليالي الأمان»

(رباعيات الخيام، أحمد رامي)

قد يستغرب كثيرون عنوان المقال، فكيف لقرار أممي اعتبره الحزب مؤامرة على المقاومة أن يكون بردًا وسلامًا عليه؟ لكن العبرة كانت في النتائج المباشرة والطويلة الأمد لـ«حزب الله» ولمشروع ولاية الفقيه في لبنان، وفي الهلال الذي ارتسمت ملامحه على مدى 19 سنة من تاريخ إصدار القرار الأممي.

 

يقول بعض العارفين، إنّ القرار 1559 حضّره رفيق الحريري، بعدما أيقن أنّ التمديد حاصل لرئيس الجمهورية في تلك الحقبة، وأنّ سلوك النظام السوري في لبنان لا يمكن إصلاحه، وأنّ هذا السلوك المدمّر سيحرم لبنان من السير على خط التعافي والبناء. كان ذلك بعد سنوات جادة من السعي لتكامل موضوعي بين لبنان وسورية، بحيث يحصد البلدان فوائد التعاون، بدل التخريب المقصود لأي ازدهار، خوفاً من تفلّت البلدين من قبضة النظام الأمني.

 

وحسب الكثير من المعطيات والمعلومات، فإنّ الخلاف الجوهري مع القوى التي كانت تسعى لإخراج النظام السوري من لبنان، هو كون رفيق الحريري يدرك استحالة فصل لبنان عن سورية بستار حديدي، لا في التاريخ ولا في الجغرافيا. الهدف من القرار الأممي كان تغيير سلوك النظام السوري ودعم تطبيق الدستور ببنوده المتعلقة بانسحاب الجيش السوري وسحب السلاح غير الشرعي بمختلف أشكاله. ولو محّصنا في القرار 1559 لرأيناه نسخة أممية معدّلة عن الدستور اللبناني. من هنا، فليس اتهاماً بل وبطولة ووطنية، هي إن كان رفيق الحريري سعى لذاك القرار لحماية لبنان، مع العلم أنّ الجميع حاول التنصّل منه.

 

لكن، لماذا أدّعي فوائد القرار على «حزب الله»؟

 

بمراجعة لجملة من الأمور، يمكن الاستنتاج أنّ العلاقة بين نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد ومنظومة ولاية الفقيه لم تكن شراكة ودية، بل من أساسها كانت مبنية على تقاطع مصالح وليس عن قناعات وجدانية. يكفي أن نراجع الصراع العنيف الذي خاضه أتباع الفريقين في لبنان في الثمانينات، أكان في طرابلس مع «حركة التوحيد» التي تبين لاحقاً تفاهمها مع إيران، أو في حروب «أمل» و«حزب الله» في إقليم التفاح والضاحية الجنوبية والبقاع. ولا بد أن نستذكر مجزرة «ثكنة فتح الله» التي نفّذها جامع جامع في بيروت بحق شباب «حزب الله»، لـ«تربيتهم» وإعلان من هو الآمر الناهي في العاصمة.

 

لا أريد ان تبدو مقالتي محاولة لنكء جراحات الماضي ونسج مؤامرة بين الحلفاء، لكن الأكيد هو أنّ التسوية التي نسجها حافظ الأسد مع ولاية الفقيه جعلت من رئيس سورية حاجة دولية وعربية في الأمن والسياسة. هذا بالذات ما جدّد ولايته على لبنان بعد الحرب التي شارك فيها بعد احتلال الكويت، وجعل من الضروري التفاهم معه بالكامل على أي شيء في لبنان. بالمحصلة، تجدّدت الوصاية على لبنان، ووضع الأسد الضوابط المدروسة على «حزب الله» وعمله في لبنان، أكان بمدى توسعه في الداخل، أم بضبط شريانه الحيوي البري الممسوك بالكامل في سورية وعبر الحدود.

 

موت الرئيس السوري ومجيء إبنه بشار، كانا الفرصة الأولى لتغيير قواعد اللعبة. فقد كان من الأسهل الاعتماد على ضعف الخبرة لوضعه تحت الوصاية، لكن الفرصة الكبرى التي لا يشابهها شيء كانت احتلال العراق من قِبل الولايات المتحدة. هنا، ارتاح الولي الفقيه من حاجز خطير حاصر مشروعه جغرافياً، واستغل الفرصة الذهبية من تخوف الأسد من أن يكون الثالث على لائحة الأهداف الأميركية، بعد أفغانستان والعراق، فسقط في حضن إيران، وصارت ولاية الفقيه دعمه الأساسي على مختلف الصعد.

 

إصرار بشار على التمديد أتى في هذا السياق، كان يريد توجيه رسالة بأنّه الآمر الناهي على لبنان، فاستغلت منظومة «حزب الله» الأمنية الأمر، وأوغلت صدره حقدًا على رفيق الحريري، واستدرجته ليكون شريكاً في التخلّص منه، وهي التي برأيي كانت جاهزة حتى قبل القرار الأممي بسنوات، تنتظر اللحظة المناسبة.

 

لكن، لماذا نزل القرار بردًا وسلامًا على الحزب؟

 

لقد كان من السهل لما حصل دفع بشار للانسحاب من لبنان بالكامل خوفاً من الأعظم، ولم يكن بالإمكان يومها وقف ما حصل في الرابع عشر من آذار إلّا بحمام دم سيفتح حتماً أبواب جهنم على سورية. أما «حزب الله»، فقد كان كياناً متجذّراً في لبنان، وكان من المنطقي الاستنتاج أنّ دفعه لتطبيق القرار على نفسه سيستدعي تدخلًّا عسكرياً بأكلاف مرعبة على المهاجم والمدافع معاً. كما أنّ قيادة الحزب قامت بتحركات تكتيكية سياسية، دفعت إلى ما سُمّي بالاتفاق الرباعي، الوهم الذي وقعت فيه القوى الاستقلالية يومها بأنّ «حزب الله سيتلبنن»!

 

خرج الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، وبدأت بعدها رحلة الحزب للسيطرة على لبنان، لكن من دون شريك مضارب كما كان الحال أيام رستم غزالة وغيره، من أصول وفروع للمخابرات السورية. استخدم الحزب امتداده الشعبي المذهبي، كما ضعّف نفوس الساعين إلى السلطة من مذاهب وطوائف أخرى، ترهيبًا وترغيبًا، بالقتل والتفجير وتعطيل المؤسسات، وبإغراء كثيرين بالسلطة ومرابحها غير الحلال. ومن المجدي ذكر كلام محمد رعد عندما قال: «خذوا السلطة والفساد، واتركوا لنا سلاحنا والمقاومة».

 

لم يكن «حزب الله» يحتاج على هذا الأساس للقرار 1559 لاغتيال الحريري، وظني أنّه كان سيتحيّن فرصة أخرى لذلك، حتى من دون قرار، لأنّه يمثل كل ما هو ضدّ مشروع ولاية الفقيه، في لبنان والمنطقة. لكن القرار سهّل الأمر وضيّع المسؤوليات والفاعل، وجعل من مفاعيل الاغتيال تتلاشى مع الوقت الذي أخذته المحكمة الدولية وربط النزاع وتوالي الملمات التي خفّفت من حجم الجريمة. لكن من دفع الثمن الأكبر في السياسة، إلى لبنان الذي يلفظ آخر أنفاسه كدولة، هو سورية الأسد، الذي كان يظن أنّ حكمه مستمر إلى الأبد.

 

لا أريد هنا أن أبدو كمن يحن إلى دور سوري في لبنان يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فما حدث قد حدث، ولا يمكن لكلمة «لو» أن تغيّر ما حدث. لكنها مرجعة قد تفيد البعض لعدم الوقوع في شراك ما هو بديهي، والذهاب إلى تحليل جوهر الأمور. فلبنان الآن واقع تحت الاحتلال، مهما حاول بعضنا تسمية الواقع بالفضفاض، لكن عدم الاعتراف بالأمر، سيطيل مرحلة السقوط حتماً من دون علاج جذري.