Site icon IMLebanon

إستحقاقات ما بعد بعد «فجر الجرود»!؟

رغم الإعلان أنّ عملية «فجر الجرود» قد أدّت غايتَها لجهة تحرير آخِر شِبر من الأراضي اللبنانية من الإرهابيين، فإنّ التثبُّت من هوية جثامين العسكريين الشهداء شرطٌ أساسيّ للتأكّد من أنّ الهدف الثاني منها قد أنجِز، لتنطلق بعدها سلسلةٌ من الاستحقاقات، بمعزلٍ عمّا يَجري في سوريا والمنطقة. ولذلك طرح السؤال عن المحطات المنتظرة والتي على قيادة الجيش عبورُها. فما هو المتوقّع؟

في انتظار أن تقول فحوص الـ«دي إن آي» كلمتها العِلمية والنهائية في هوية جثامين الشهداء العسكريين ستدخل عملية «فجرالجرود» آخرَ مراحلها المقرّرة، لتبدأ بعدها سلسلة من الاستحقاقات التي على المؤسسة العسكرية مواجهتها على أكثر من مستوى عسكري وأمني وسياسي.

أولى المحطات المتوقّعة هي الإعلانُ الرسمي عن انتهاء عملية «فجر الجرود» بكلّ محطاتها، والتي لم تكتمل بعد على رغم إعلان الانتصار على الإرهاب.

ولم يَثبت بَعد بالوَجهين القانوني والعسكري أنّ الهدفين المعلن عنهما قد تحقَّقا، وهما رهنٌ بنتائج الفحوص المخبرية التي ما زالت جارية ولم يحدَّد موعد الإعلان النهائي عنها. فقد حرِّرت الجرود وعادت جثامين الأسرى ويبقى تحديد هويات كلّ منهم لتحديد يوم التشييع الذي سيكون يوم حدادٍ وطنيّ رسمي وشعبي، على عاتق الحكومة البتُّ به إن بقيَ الوضع على ما تقرّر سابقاً.

وفي الحديث عن المحطة التالية، تتوقّع المراجع المعنية أن تكون عسكرية وسياسية في آن. فالجيش اللبناني الذي أمسَك بالمساحة المحرّرة من الحدود مدعوٌّ إلى تسَلّمِ ما تبقّى من الحدود والتي ما زالت في عهدة «حزب الله» لتكتملَ سيطرة القوى العسكرية على كلّ الحدود اللبنانية – السورية والإمساك بها، في مهمّةٍ لم يعرفها الجيش اللبناني منذ عقودٍ قبل أن تلغي «قوات الردع السورية» هذه الحدود قبل أكثر من أربعة عقود تقريباً ومِن بعدها «حزب الله» منذ أن دخَل قوّةً مؤثّرة في العمليات العسكرية الى جانب الجيش السوري وحلفائه على الأراضي السورية.

فالجيش لم يكن يوماً ومنذ تأسيسه مدعوّاً إلى القيام بأيّ مهمّة تتجاوز أيَّ شِبر من الأراضي اللبنانية. وعليه، فقد جزَمت مراجع معنيّة بأنّ شيئاً من هذا القبيل لم يكن وارداً منذ أن أطلق عملية «فجر الجرود» في 19 آب الماضي. فمِن الواضح للأقربين والأبعدين الذين واكبوا مجريات الأزمة السورية أنّ الجيش اللبناني لم يتورّط يوماً في أيّ حادثٍ أو إجراءٍ يشتمُّ منه أنّه شكّلَ تدخّلاً في الأزمة السورية الداخلية منذ ستّ سنوات.

ومردُّ ذلك، وفق ما يؤكّده المعنيون وتثبتُه الوقائع، أنّ الجيش اللبناني هو واحد من جيوش «الحلف الدولي» المعلن عنه ضدّ الإرهاب منذ مؤتمر جدّة الذي عقِد في 11 أيلول 2014 وهو خارج لعبة النزاع السورية الداخلية، وأنّ مهمّته لن تتعدّى الأراضي اللبنانية، وقد نجَح في إثبات ذلك أمام دول الحلف التي ترصد كلَّ الحراك العسكري على مساحة سوريا.

فرغم كلّ المحاولات التي خِيضت لتصوير الجيش شريكاً في الحرب الأخيرة انطلاقاً من كونها حرباً معلنة من ثلاثة أطراف ومن جانبَي الحدود اللبنانية والسورية ضد عدوّ واحد، فقد نجَح الجيش في إبعاد «التهمة» عنه، فخاض حربَه ضد الإرهابيين في المنطقة المحتلة من لبنان بكلّ المعايير العسكرية والإنسانية ولم يخرج عن القواعد العسكرية التي يؤمن بها ويحترمها في أيّ محطة.

ولمن أراد التشكيكَ بالعملية، وتصوير الجيش اللبناني شريكاً للنظام السوري و»حزب الله» في المواجهة مع الإرهاب، تكفيه العودةُ إلى ما رافقَ العملية العسكرية من وقائع أكّدت بما لا يقبل الشكّ أنّه خاض معركةً نظيفة كما أرادها وكما يجب أن تكون.

فقد تجنّبَ الجيش إشراكَ أحدٍ في عملياته العسكرية وأصَرّ على تطبيق المعايير المتصلة بحقوق الإنسان في الحروب، فتجنّبَ المسَّ بالمدنيين الذين تحوّلوا متاريسَ بشرية في كثير من المواقع التي كان مسلّحو «داعش» يتمركزون فيها، وخصوصاً في الجيب الأخير في وادي مرطبيا حيث اتّخذ المسلحون المحاصَرون فيها من بضعة مئات من المدنيين متاريسَ بشرية حالت دون القضاء على آخِر مسلّح منهم قبل إعلانهم الإستسلامَ والإذعان لشروط وقفِ النار بعد أن انتقلوا إلى الجانب السوري من الحدود في غفلةٍ من الزمن بموجب التفاهم مع «حزب الله»، في وقتٍ كان الجيش قد بَلغ نقاطاً عدة من الحدود السورية من دون أن تلاقيَه أيُّ قوات سوريّة أو من «حزب الله» لأيام سبقت الإتفاق النهائي لترحيلهم.

وعليه، يقول المعنيون بالعملية، فإنّ الحديث عن أيّ دور للجيش بالسماح لمسلحي «داعش» بمغادرة الأراضي اللبنانية لم يكن في محلّه على الإطلاق. فالعملية العسكرية التي خاضَها الجيش لم تسمح بتطويق أيّ مجموعة مسلحة من الإرهابيين، لأنّ الأراضي السورية كانت من خلفِهم والجيش اللبناني من أمامهم، ولم يكن صعباً عليهم الانتقال الى تلك الأراضي.

فالجيش السوري و«حزب الله» لم يكونا بعد قد سيطرا على المنطقة التي كانت تقابل الجيش اللبناني، وإنّ حدود انتشارهما جَعلت من البقعة السورية تلك ملجأً آمناً للمسلحين قبل الاستسلام.

وبناءً على ما تقدّم، تتطلّع المراجع المعنية الى مهمّة جديدة للجيش تبدأ مع انتهاء السيطرة على الحدود اللبنانية ـ السورية واستكمال الانتشار في المناطق التي يسيطر عليها «حزب الله» من تلال عرسال إلى يونين والطفيل جنوب منطقة انتشاره الحاليّة في القاع ورأس بعلبك وتلك المؤدية الى القصَير شمالاً.

وإلى أن يحدّد هذا الموعد، ما على اللبنانيين سوى انتظار مزيد من السيناريوهات التي تتحدّث عن التحقيق في أحداث العام 2014، وهو أمرٌ قد يؤدي إلى فتحِ تحقيقٍ في مراحل أخرى قد تبدأ بالظروف التي قادت بالمسلحين الى الأراضي اللبنانية في العامين 2012 و2013 تاريخ بدءِ تسرّبِهم الى الأراضي اللبنانية.

وفي رأي كثيرين فإنّ ما جرى في جرود عرسال لا يمكن فصله عمّا جرى في مناطق أخرى انتهت إلى نشوء اكثر من 1400 مخيّم عشوائي للنازحين السوريين على مساحة لبنان.