Site icon IMLebanon

إستحقاقات بـ«الجِملة»… مَن يمنع الإنهيار؟

 

خسرت أطرافٌ سياسية في الانتخابات النيابية «مقعد من هون» وربحت أطرافٌ أخرى «مقعد من هونيك»، إلّا أنّ السلطة السياسية نفسَها التي حكمت لبنان منذ ما بعد اتّفاق الطائف، أُنيطت بها مقاليدُ الحكم هذه المرة أيضاً، باستثناء الأطراف المسيحية التي عادت إلى الساحة السياسية عام 2005. لذلك، التغييرُ الموعود على صعيد الأشخاص لم يتحقّق، فهل يُمكن للسلطةِ نفسِها أن تجدَ حلولاً للمشكلات التي أُغرق فيها لبنان في عهودها؟

على الصعيد السياسي، ما زالت الأمزجة و«الكيمياء» والعلاقات الشخصية هي الغالبة في التعاطي بين الأفرقاء، أما اقتصادياً فلا رؤية واضحة، فهل يُمكن أن «تمشي» السياسة من دون أن يكون الاقتصاد «ماشي»؟ أما أمنياً وعلى رغم الإشارات الدولية المُطمئِنة إضافةً إلى تحرّك الجيش والقوى الأمنية الناجح واللافت في أكثر من ملفٍّ أمنيّ، يبقى السؤالُ المطروح على الدوام: حتى إن كانت الحكومة «وحدة وطنية»، وإن اتّفق الجميع على النأي بالنفس، وإن نُصَّ بيانٌ وزاريّ يحصر القرارَ الأمني بالحكومة… هل يُمكن منعُ «حزب الله» من استخدام سلاحه خارجياً أو داخلياً حين يرى ضرورةً لذلك؟

بين ملفّ الاستراتيجية الدفاعية الذي ينوي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طرحَه في حوار وطني، وبين تأكيد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرلله أنّ الحزبَ حاضرٌ لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، طارِحاً في المقابل مناقشة الملفّ الاقتصادي ووضع رؤية اقتصادية كاملة، واعتباره أنّ التجربة أثبتت أنّ الفريق الذي تولّى الملفّ الاقتصادي لم ينجح بل فشل، ودعوة الحكومة المقبلة الى أن تقاربَ الملفّ الاقتصادي والمالي بطريقة مختلفة… وبين طروحاتِ الأفرقاء الآخرين، التي لم تتغيّر استراتيجياً على الصعيدَين الاقتصادي والأمني، خصوصاً حول سلاح «حزب الله»، وبعيداً من مواقف السياسيين غير المعزولة عن المصالح الحزبية والخاصة، ماذا عن الواقع القائم وعن الحلول والمطالب الموضوعية.

السياسة والاقتصاد والأمن، أُسسٌ متلازمة لبناء الدولة واستمراريّتها وتطوّرها، ولا يمكن أن ينفصلَ الواحد عن الآخر أو أن يزدهرَ الواحد دون انتعاش الآخر.

وعلى رغم الأجواء غير الصافية المحيطة وارتباط لبنان و«حزب الله» بهذه الأجواء، استطاع لبنان لغاية الآن حماية نفسه من أيِّ شظايا متطايرة من جميع الجهات، باستثناء أزمة النزوح السوري. ويُعتبر استمرارُ الدعم الدولي للجيش اللبناني، والذي يأخذ منحىً تصاعدياً، دليلاً على أن لا إشارات لاهتزازاتٍ أمنيّة آتية.

وعلى الصعيد الداخلي، تؤكّد مصادر أمنية لـ«الجمهورية» أنّ الوضع الأمني اللبناني ممسوكٌ بنسبة عالية جداً، وتشير إلى أنّ لبنان أجرى الانتخابات النيابية على جميع أراضيه وفي يومٍ واحد من دون أن تُسجَّل طوال اليوم الانتخابي «ضربةُ كف».

أما الشغب الذي حصل في بيروت، فتلفت المصادر إلى ضبطه سريعاً ومنع الجيش والقوى الأمنية ومعه القوى السياسية الفتنة السنّية- الشيعية. وبالنسبة إلى حادثة الشويفات فالقرار الأمني واضح بتسليم جميع المتّهمين، كما أنّ الوعي الجماعي والتحرّك الأمني السريع منع انتشارَ فتنة درزية-درزية.

وعلى رغم التحدّيات الداخلية والخارجية، أكّدت المصادر الأمنية أنّ الجيش والقوى الأمنية نجحا في شلّ وتفكيك معظم الشبكات الإرهابية، لافتةً إلى أنّ حدود لبنان ما زالت تحت سيطرة الجيش والأمن العام ولم تستخفّ القوى الأمنية بموضوع حماية الحدود ومنع التسلّل.

وعلى رغم الاستقرار الأمني «النسبي»، لا يبدو أنّ السيّاح العرب مُتحمّسون للتوجّه إلى لبنان، ما يوضح مدى أهمّية سياسة الدولة العامة ومقاربتها للملفات والمواقف العامة انطلاقاً من مصلحتها، فسياسةُ لبنان غير المستقرّة والواضحة زعزعت علاقته بأكثر من دولة عربية وخليجية في أكثر من استحقاق. وعلى رغم الحلحلة ما زالت تداعياتُ هذه الزعزعة مستمرّة على أكثر من صعيد.

فلغة العصر السياسية هي لغة الاقتصاد والمال، والخطاب السياسي للدول الغربية والمتطوّرة يستند الى خطاب اقتصادي، أولاً لحيازة «رضا» الشعب، وثانياً لتكون القوة الاقتصادية للدولة من عناصر الضغط السياسي في أيِّ مفاوضات أو اتّفاقات مع دول أخرى، وكلّ من الصين وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية دليلٌ على ذلك.

وعلى سبيل المثال، كان الاقتصادُ المؤثر الأقوى على إرادة الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب، وأظهرت الانتخاباتُ النيابية الأخيرة في لبنان أنّ الخطاب الاقتصادي الإصلاحي، وإن غير المباشر، كان من أولويّات الناخب اللبناني، في ظلّ أوضاعٍ اقتصادية اجتماعية متردّية ونسبة دين عام وصلت إلى 80 مليار دولار، ونسب بطالة وتضخّم تخطّت المعقول.

ووفق هذه المعطيات، المطلوب من الحكومة العتيدة التركيز على السياسة لتعزيز الاقتصاد وعلى الاقتصاد لتعزيز سياسة الدولة.

وفي حين يزخر المجلسُ النيابيُّ الجديد برجال الأعمال الجدد إلى جانب الوجوه القديمة، يعتبر متابعون أنه لم يدخل اقتصاديٌّ فعليٌّ هذا المجلس، وأنه لن يتمّ إشراكُ اقتصاديين حقيقيين في الحكومة العتيدة، فيتمّ الخلط بين رجال الأعمال ورجال الاقتصاد والاعتبار أنّ كلَّ رجل أعمال ناجح رجلُ اقتصاد حكماً.

ويرى المتابعون أنه «لن يتغيّر أيُّ أمرٍ أساسي، ومن الصعب كسر الحلقة التي ندور فيها منذ أوائل التسعينات من هدرِ المال العام، وعجزٍ ماليّ في الموازنة، وارتفاعِ خدمة الدين العام وفوائده، وسياسة نقدية انكماشية، وقصورٍ كبيرٍ في الخدمات العامة». ويقولون إنها «مصادر انتفاع وتمويل ولن يتخلّوا عنها بسهولة».

فهل سيسلّمون القطاع الخاص إدارة وعصرنة الخدمة العامة في لبنان؟ ويغلقون أبوابَ مصادر انتفاعهم؟

أمّا ما يجب أن تقوم به الحكومة الجديدة وجميع الجهات الرسمية المعنيّة، فهي كما شرح الخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي لـ«الجمهورية»:

أما الاستقلال الإداري والقضائي، فيشرح يشوعي أنه يعني أنه ممنوع على السياسيين تعيين أيّ إداري، والقاعدة الإدارية هي التي تختار قيادتها ولا تكون مفروضةً عليها من السياسيين، وهي مَن تحضّر «عدّة العمل» للوزير عندما يأتي إلى رأس وزارته، لا أن يأتي الوزير مع «زبوناتو» وأزلامه، ويخرج كما يدخل على صعيد الإنجازات على عكس الانتفاعات.

ويُشكّل الوضع الاقتصادي الخاصرة الضعيفة للبنان، إذ يعتبر متابعون أنّ مؤتمر «سيدر-1»، وعملية إقراض لبنان بهذه الكثافة أمرٌ غيرُ بريء في ظلّ وضع لبنان المالي المزري. ويشيرون إلى أن لطالما كانت المساعدات من «باريس-1» مشروطة بإصلاحات، لم يتحقّق منها شيء.

ويربط البعض سياسة إدماج أو إبقاء اللاجئين والنازحين في لبنان بأيّ مساعداتٍ اقتصاديةٍ مالية وإنقاذٍ من «إفلاسٍ» اقتصاديّ بعد إفلاسٍ سياسي على أكثر من صعيد، مستغلين أنّ لبنان «شركة مساهمة»، كل طرف سياسي شريكٌ ويملك حصّةً فيه. فهل ستتغيّر هذه الذهنية؟ ومَن مِن الأطراف السياسية سيُبادر ويُترجم الأقوال أفعالاً، فتبدأ ورشة الإصلاح، من «سحب اليد» عن الإدارة والقضاء، ومن جيوب المُحاصصة و«الاسترزاق»؟