يدرك بنيامين نتانياهو أن موقفه، اليوم، أضعف ممّا كان عليه في السابع من تشرين الأول من العام الماضي. صحيح أنه كان، يومذاك، يعاني جراء الانتصار التاريخي الذي أنجزته حماس بشكل باهر سيُدرّس في المعاهد والكليات العسكرية في مختلف أنحاء العالم، إلّا أنه كان يُمَنّي النفس بتحقيق ثلاثة أهداف: سحق المقاومة الفلسطينية، وتهجير أهالي غزة الى صحراء سيناء، وبالطبع تحرير الأسرى… فإذا به يرتكب المجازر المروّعة بحق المدنيين، ويدمّر المباني ويعتبر اكتشاف نفقٍ هنا وآخر هناك وكأنه إنجاز استثنائي… ليكتشف بعد أربعة أشهر من ارتكابه الفظائع الوحشية الهمجية أنه أعجز من أن يحقق أيّاً من أهدافه (المعلَنة) وبالتالي فهو مضطر للسير في المفاوضات الشاقة، ويجمع أركان حربه منتظرين ردّ حماس على المقترحات التي حملها الى قيادة الحركة الأميركي والفرنسي والقطري الذي يؤدّي دوراً بارزاً في هذا السياق.
ولقد حبس الصهاينة أنفاسهم بعضاً من الوقت بانتظار الرد الذي تأخر بضعة أيام الى أن تم توحيد الموقف الحمساوي بعد تباينات في وجهة النظر بين قيادة حماس العملانية، على الأرض، ممثلة بالسنوار، والقيادة السياسية العامة خارج القطاع. مع أن هذه التباينات لم تصل الى حد الخلاف الجذري، بالرغم ممّا نُسِب الى السنوار من أقوال موجهة الى القيادة، وبعض ما ورد فيها: «نحن هنا في قلب النار والخطر الداهم وأنتم تنظّرون عن بعد»(…).
وحتى كتابة هذا الكلام، مساء أمس، كان نتانياهو لا يزال يناور، حتى لدى الاجتماع مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، الذي جاء بلهجة مختلفة عن زيارته الأولى في اليوم الأول من الحرب على غزة، عندما قال: «أنا هنا ليس فقط كوني وزير الخارجية الأميركي إنما أيضاً كوزير يهودي»… فهذا «الدوز» المبالغ فيه من تدليع نتانياهو وعصابته قد سُحِبَ من القاموس الأميركي والدولي عموماً والأوروبي تحديداً. مع الإشارة الى أن العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال في ذروة التأزُّم.
في أي حال يبدو أن قيادة الحكومة العبرية قد أدركت أخيراً أن زمن الدلَع قد انتهى، أو بالتأكيد هو في طريقه الى الانتهاء، لا سيما أن القوى الدولية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، قد بدأت تتلقى سلبيات وتداعيات ومفاعيل جنون حكومة الحرب في فلسطين المحتلّة.