IMLebanon

إسرائيل تخيّر الفلسطينيين بين الجوع أو القتل بالرصاص

 

 

عَرَض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على حكومته الحربية، خطة بشأن إدارة غزّة لمرحلة ما بعد الحرب، تقضي بأن يتولّى مسؤولون فلسطينيون محليّون إدارة القطاع لا صلة لهم بحركة حماس، وينص الاقتراح الذي عرضه نتانياهو على مجلس الوزراء الأمني أيضاً على احتفاظ الجيش الاسرائيلي بحرية غير محددة زمنياً للعمل من أجل منع عودة النشاط المسلح.

 

إلى ذلك، حذرت شخصيات إسرائيلية ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود أولمرت، من أنّ الهدف النهائي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو هو «تطهير الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين، والمسجد الأقصى من المصلين المسلمين، وضمّ تلك الأراضي الى دولة إسرائيل».

 

وأشار أولمرت الى ان مسعى نتانياهو، لن يتحقق من دون صراع عنيف واسع النطاق ربما يقود الى «هرمجدون» أي حرب شاملة تريق دماء اليهود داخل إسرائيل وخارجها، وكذلك قتل وإبادة الفلسطينيين. وستشمل هذه الحرب -وفق أولمرت- غزّة جنوب إسرائيل والقدس والضفة الغربية والحدود الشمالية (لبنان)، بما يعني أنّ إسرائيل، كما يريدها نتانياهو، ستقود حرب بقاء لها تتيح ارتكاب ما لا يطاق… وأهم خطوات هذه الحرب قتل وإبادة الشعب الفلسطيني والتخلص منه. وما قوله (أي نتانياهو) القضاء على «حماس»، سوى صورة مزيفة لما يعنيه، بل قصده ومراده القضاء على الشعب الفلسطيني كله لتحقيق حلمه الوهمي الذي طالما حلم به.

 

إلى ذلك، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنداءات جمعيات إنسانية تطالب بإنقاذ مدن قطاع غزّة والفلسطينيين فيها من مجاعة أدّت الى موت عددٍ كبيرٍ من الأطفال. وتعالت أصوات المراقبين مطالبة بإنقاذ سكان غزّة، محذرين من «مجاعة أفظع وأكبر»، هذا ما يريده نتانياهو: إبادة الفلسطينيين.. إما بإطلاق النار عليهم في عملية قتل وحشية موصوفة، وإما بإبادتهم جوعاً.

 

إنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي يتعالى على أزمته السياسية وإخفاقه العسكري في تحرير محتجزيه وإبادة «حماس»، بعدما كبدته المقاومة الفلسطينية خسائر كبيرة في الأرواح والأعتدة حتى تحوّل الى سخرية للكثيرين.. وبالتأكيد فإنّ «حماس» والمقاومة الفلسطينية البطلة لن تقبل بأي اتفاق لا يتضمن إنهاء العدوان بشكل تام وإدخال المساعدات وإيواء النازحين وضمان الإعمار ورفع الحصار.

 

«حماس» والمقاومة الفلسطينية البطلة ترفض أي حل لا يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وهذا هو العنوان الوحيد لاستقرار المنطقة.

 

أهداف نتانياهو خبيثة جداً، وما محاولة تصفية «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)» إلاّ واحدة من أهدافه هذه… إنها وسيلة القضاء على الفلسطينيين الذين تبقوا ونجوا من غارات الدولة العبرية الهمجية وقتلهم جوعاً… وهذان موتان مؤكدان، كل موت منهما يؤدي الى إنهاء حلّ الدولتين، لأنه لن يتبقى شعب فلسطيني يطالب بحقوقه… وهذا حلم لن يتحقق أبداً، يراود مخيّلة رئيس وزراء إسرائيلي مجنون ومتهوّر وسفّاح. حتى انه قدّم عرضاً لتنفيذ هدنة: المساعدات الغذائية والدوائية والانسانية مقابل كل محتجز… أي انه يقول للفلسطينيين: اما الموت جوعاً أو الاستسلام أو الموت بإطلاق القذائف عليكم وإبادتكم.

 

أعود الى نتانياهو فأقول: لا شك انه ليس مجرماً ميدانياً فحسب، لكنه مجرم فكري وقاتل أيديولوجي. فهو يمتلك مرجعية دينية وثقافية للإبادة والتهجير والنقاء العرقي. وأعتقد بكل موضوعية انه سيواجه نفس مصير سلوبودان ميلوسيفيتش «جزار البلقان» نفسه، والذي مات بعد 4 سنوات في السجن. فمهما طال الزمن، وتعاقبت السنون، فسوف يحاكم رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يوماً ما أمام المحاكم الدولية كمجرم حرب، وسيلقى جزاء ما جنته يداه الملطخة بدماء أكثر من 30 ألف شهيد بريء من شعب فلسطين المظلوم حتى الآن، وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، في أكبر مجزرة بشرية يشهدها العالم حتى مذبحة «الهولوكوست» التي يذكرها الاسرائيليون… لأنّ مجازر غزّة والضفة تفوقت عليها وحشية ودموية. فنتانياهو لا يتحرّك من منظور المنافسة الانتخابية، أو جذب الأضواء، أو الظهور في نموذج رجل السياسة القوي، لكنه مجرم من نوع فريد، لا تنبع جرائمه من خللٍ نفسي، أو من محاولة تحقيق مجد شخصي كما فعل سلفه «هتلر»، بل ان جرائمه تنبع من رؤية كاملة للدين والدولة.

 

وخير دليل على ما أقول، ان المطالبات بمحاكمة سفاح غزّة كمجرم حرب، لم تأتِ من دولة عربية، بل جاءت أولاً من أقصى بقاع الأرض، حيث أعلن الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو في تشرين الثاني الماضي ان وزير خارجيته سيوجه اتهاماً لرئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بارتكاب جرائم حرب، كما كانت جنوب أفريقيا سبّاقة في نصرة أهالي غزّة، حيث طلبت من محكمة العدل الدولية رسمياً بالتحقيق في جرائم إسرائيل ونتانياهو والتي تم ارتكابها بدم بارد ضد المدنيين العُزّل، وخصوصاً النساء والأطفال والشيوخ الذين لقوا مصرعهم في مذابح المستشفيات وبخاصة مستشفى المعمداني، ولا ننسى إقدام الرئيس البرازيلي على طرد السفير الاسرائيلي من بلاده احتجاجاً على مجازر إسرائيل.

 

ولم يقتصر الأمر على أميركا اللاتينية وأفريقيا، بل امتدت هذه المطالبات الدولية بمحاكمة نتانياهو الى أوروبا.. حين قالت الوزيرة الاسبانية إيوني بيلارا، القائمة بأعمال وزير الحقوق الاجتماعية، إنّ إسرائيل تنفّذ إبادة جماعية مخططة في غزّة ويجب محاكمة رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في المحكمة الجنائية الدولية لارتكاب جرائم حرب.

 

بعد كل ذلك، وبعد أن انتفض الرأي العام الدولي ضد نتانياهو والاحتلال الاسرائيلي لم يعد يخفى على أحد، ان نتانياهو لن يستطيع الإفلات من تهمة ارتكاب جرائم حرب وقتل متعمّد تجويعاً لشعب بريء ومظلوم. وربما تكون نهاية السفاح الصهيوني أقرب ما يتصوّر أحد. فقد كشفت الأمم المتحدة في تشرين الأول الماضي عن البدء في جمع أدلة حول ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وتجويع وقتل متعمد في قطاع غزّة، تمهيداً لمحاكمات أكيدة لهذا السفاح.

 

ووفقاً لمواثيق الأمم المتحدة، تخضع الأطراف المشاركة في الحرب لقوانين مستمدة من نظام الاتفاقيات والمعاهدات والأحكام المعروفة باسم «القانون الانساني الدولي» أو «قانون النزاعات المسلحة». ويحتوي القانون على عنصرين أساسيين هما:

 

ألف- قانون حماية غير المقاتلين مثل المدنيين والجنود الذين استسلموا.

 

باء- القانون الذي يستند ويرتكز على «اتفاقية جنيڤ» لعام 1949 التي تمّ التوقيع عليها بعد جرائم ضد الانسانية، وبعد جرائم ارتكبت في الحرب العالمية الثانية. لكن إسرائيل التي لم توقع على بعض بنود هذه الاتفاقيات لن تنجو من العقوبات التي ستفرض عليها بالتأكيد، ولن تسلم من العقاب لأنها لم تنضم الى المحكمة الجنانئية الدولية وعدم اعتراف هذا الكيان الغاصب بسلطة هذه المحكمة.

 

وأخيراً… فإنّ نتانياهو ليس هو المجرم الوحيد في ارتكاب هذه المجازر بالأسلحة والتجويع أيضاً… فمن المؤكد ان حكومة الاحتلال هي على قلب مجرم واحد في حربها الدموية ضد المدنيين الأبرياء في غزّة، وإنّ جيش العدوان الاسرائيلي على عقيدة واحدة وهي المضي قدماً حتى آخر فلسطيني. والمؤكد أيضاً أنّ نتانياهو لا يشعر بأي إحساس بالذنب، بل هو يشعر بالنشوة والانتصار. وسيكون عاراً على جبين الانسانية جمعاء، بل على الأمم المتحدة نفسها، أن يواصل هذا المجرم حياته في منصبه أو منزله… بل تقضي قوانين السماء والعدالة والقيم الانسانية، أن يكون أمام نتانياهو خطوتان أخيرتان في مسيرته الدامية: المحاكمة والسجن أو الإعدام رمياً بالرصاص.