Site icon IMLebanon

بنت جبيل.. تنتظر «هدية التحرير» منذ 15 عاماً!

هنا في جنوب الجنوب، عند أقصى حدود الوطن، يحضر كل شيء بحلوه ومره إلا الوطن الذي كان غائبا قبل التحرير.. وبعده.

هنا للدولة اسم وذكرى فقط، وما بقي من سيرتها لا يتجاوز مطالبة أهلها لها بحضورها.

هنا المشاريع بتواقيع كل «الأمم» («اليونيفيل» وأخواتها) إلا «الامة اللبنانية»، فلا الطرق وزفتها ولا البيوت وجدرانها ولا حتى مشاريع المياه والبرك ودعم المدارس والمستشفيات والتشجير وبعض ما صمد من زراعات من شغل لبناني خالص!

قبل الدخول الى بنت جبيل «عاصمة المقاومة والتحرير»، لا بد من طرق باب جارتها عيناثا اولا.

لم تعد عيناثا ترتبط بالعيون والعلماء، بل وبالشهداء.

في أيار 2015، تدهش أم الشهيد العريس عباس يوسف خنافر مشيعي ولدها. زغردت وهي تزف شهيدها الثاني الى روضته بدل أن تزفه الى عروسه وترافقه الى بيته الذي كان يحاول ان يبنيه براتبه الزهيد.

زفت «أم الشهيدين» ابنها بعزيمة أقوى من تلك التي ودعت بها شقيقه موسى (ربيع) الذي استشهد خلال حرب تموز 2006. هنا في عيناثا، كأن المعركة لا حدود زمنية أو مكانية لها. هي ديدن هذه البلدة العاملية. من أيام الجزار العثماني الى ظلاميي العصر الجديد في القلمون وبينهما سيرة مقاومين قاوموا الانتداب الفرنسي وغزو فلسطين واحتلال أرضهم وحارقي جنوبهم في تموز 2006.

مجرد فسحات هدنة قصيرة في رحلة العمر الحافل بالانتصارات والنكسات.

عند باب السنة السادسة عشرة للتحرير، لا يزال صدى الرصاص يلعلع برغم ابتعاد الميادين.

هنا المقاومة ليست وجهة نظر. هي شتلة تبغ وغرسة «منطاع» و «شكة ميبر»، هي «الطربونة» و «التكعيبة». هي «القرطاس» والقلم و «طقطقة» شاكوش «الكندرجي» على وقع لحنه الصباحي. هنا المقاومة أسواق وعلم وهجرة لأجل فرصة وجنسية وقصور جديدة.

استفاق الجنوبي على تحرير توج في 25 ايار 2000 واستفاقت معه أحلامه بالعودة الى حضن الوطن، فكان أن منّى نفسه بقرب تدفق أنهار اللبن والعسل والتنمية بعد سنوات عجاف في ظل الحرمان.. والاحتلال.

غير أن «حساب البيدر لم يأت مطابقا لحساب الحقل». 15 عاما ان دلت على شيء انما على ان إهمال مستوطن ومقيم بدليل دراسة أعدها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بعد سنوات قليلة من التحرير، وقد بيّنت أن المنطقة المحررة بين أكثر المناطق فقرا في لبنان!

أول الوعود العرقوبية بدأت من جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في 23 أيار من العام ألفين عندما أقر يومها البرنامج الإنمائي للمناطق المحررة، وكان هدفه رفع مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذه المناطق، أيضا رفع عدد المقيمين فيها إلى الضعف خلال خمس سنوات.

وقد توزع المبلغ المقرر لهذه الخطة والبالغ 1200 مليون دولار على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنمائية والاجتماعية، إضافة إلى المساعدات والتعويضات، وإذ اعتبر البعض من الأهالي يومذاك أن هذا البرنامج طموح جدا لدرجة أنه يصعب تنفيذه في بلد تتقلب فيه السياسات يوميا فكيف خلال خمس سنوات، أمل البعض الآخر أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من تنفيذ نصف البرنامج، إلا أن خيبة الأمل وقعت حين لم ينفذ من هذا البرنامج أكثر من 20 بالمئة إنمائيا، أما بالنسبة لرفع عدد المقيمين، فإن ما شهدته المنطقة من زيادة طفيفة في عدد قاطينها يعود بشكل رئيسي لعودة كبار السن الى بيوتهم التي تركوها بسبب الاحتلال ولأسباب اخرى لا علاقة للدولة بكل مؤسساتها ورموزها بها.

لا بل ان ما اصطلح على تسميتها «هدية التحرير» التي أقرها مجلس النواب في جلسته الاستثنائية التي عقدها في حزيران 2000 في ثانوية بنت جبيل والتي تناقصت من 500 الى 300 مليار ليرة، تبخرت مع تلاوة محضر الجلسة.

واذا كانت الاموال السابقة لم تصرف بحجة عدم توفرها أصلا، فماذا يمكن أن يقول كل جنوبي عن الهبات بمئات ملايين الدولارات التي صرفت للحكومة اللبنانية لتعويض خسائر حرب تموز 2006، قبل أن يكتشفوا أن الآلاف من المزارعين ما زالوا ينتظرون تعويضهم عما خسروا من أرزاقهم وجنى عمرهم.

واللافت للانتباه أن معظم أعمال البنى التحتية في منطقة الجنوب أنجزت بموجب هبات خارجية توزعت توزعاً رئيسياً بين الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والمشروع الايراني لإعادة إعمار لبنان.

وها هي مشكلة المياه تبقى عاصية على الحل قبل التحرير وبعده، في الصيف كما في الشتاء، وكل كلام عن مشاريع وخطوط وطلمبات جر ودفع عبارة عن مشاريع وهمية، ويسجل أنه تم حل مشكلة الكهرباء عن طريق مبادرات بلدية، اذ تم تأمين مولدات الاشتراك من قبل البلديات أو عن طريق موزعين وان كان سعر الكيلووات ما يزال متفاوتا جدا بين بلدة واخرى. ففيما جرى بيعه بسعر 350 ليرة في بنت جبيل خلال شهر أيار الحالي، ما زالت بعض البلديات مصرة على قبض 650 أو 700 ليرة.

بين التحرير في العام 2000 والعام 2015، صارت مداخل القرى أجمل، وأصبحت الطرق أوسع، وثمة تشجير وزحمة ورش أبنية.. وفيلات وقصور. هناك أزقة رصفت بالحجارة. كثرت المستشفيات والأبنية المدرسية. صارت هناك جامعات ومشاريع سياحية. توالدت البيوت والشرفات كالفطر على طول الخط الأزرق مع فلسطين المحتلة. متنزهات ومطاعم. «حديقة ايران» في مارون الراس. سيارات فارهة. لكن السؤال الذي لا يفارق كثيرين: أين الدولة الموعودة؟