بعد مضي أربعة أيام على إرتكابه مجزرة في ريف ادلب، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، والتي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين مدنياً سوريّاً معظمهم من الاطفال والنساء بعد قصفه بالطائرات سوقين شعبيين في مدينة «معرة النعمان« وبلدة «كفرنبل»، إستعاد النظام السوري أمس، منظومة إجرامه مجدداً من خلال إرتكابه مجزرة جديدة في حلب، بعد قصفه أحياء كانت تُعتبر آمنة، ما أدى إلى سقوط مبنى بكامله مكتظ بالسكان راح ضحيته أكثر من عشرين مدنيّاً.
الإبادة الجماعية، هو نهج يسير عليه النظام السوري منذ إعلان انطلاق الثورة في سوريا، وهو اسلوب اعتبره أجدى وأسرع من نهج القتل الإفرادي الذي كان إفتتحه بالطفل حمزة الخطيب البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، إبن بلدة الجيزة في محافظة درعا، والذي قُتل بعد تعرّضه للتعذيب على يد النظام واستكمله باقتلاع حنجرة «بلبل» الثورة السورية المُغنّي ابراهيم قاشوش ورمي جثته في نهر العاصي، من دون ان تُسمع كلمة إستنكار واحدة من قبل «حزب الله» أو إيران، الامر الذي يؤكد دعمهما المُطلق لمنطق القتل والتعذيب ولمنطق حرب الإبادة الجماعية بحق المُتمسكين بأرضهم وكرامتهم.
لا يُمكن الإستدلال أو التعريف على مجزرتي حلب وإدلب بكلمة الأخيرتين، فالذاكرة التي عنونت محطّة القتل الأولى، لم تعد تتسع لإحصاء عدد الشهداء الذين يسقطون تباعاً لكثرة محطات القتل التي يسلكها النظام السوري وحلفاؤه، ومع هذا فلن تسقط من الذاكرة مجزرة أطفال «الغوطة» و»ريف حلب» و»دوما» التي لم تشفع مساجدها الثمانين في إبعاد نار البراميل المتفجرة عن أكثر من مئة وخمسين سورياً نصفهم من الأطفال، ولا حتى بتحريك مشاعر «حزب الله» الذي إدّعى دخوله الحرب السورية بهدف حماية المقامات ودور العبادة. مجزرة أعادت اللبنانيين على وجه التحديد يومها، بالذاكرة إلى زمن حرب تموز ومن قبلها مجزرة «قانا» التي سقط فيها أطفال ونساء ذنبهم الوحيد أنهم التحفوا خيمة «الأمم المتحدة» ظناً منهم بأنها قد تحميهم من الموت.
هو صمت مريب ومخيف يُمارسه الحزب في سوريا، تارة من خلال قتله المدنيين وارتكاب عناصره أبشع المجازر، وطوراً من خلال سكوته على مشاهد الجثث والأشلاء التي تُخلّفها براميل حليفه المتفجرة، وكأن هناك تناغماً يصل إلى حد الشراكة والتواطؤ على سوريا الوطن وعلى شعبها. واليوم لا بيانات اعتذار ولا توضيحات إستنكار تصدر عن الحزب حول المجازر ربما كانت لتكفي في أن تُريح أجساداً أنهكت وهي تنتظر ستر عورتها في التراب، وكأن المجازر في حسابات الحزب العامة والخاصّة أصبحت تُصنّف بين مجزرة «حلال» وأخرى «حرام».
اليوم وبفعل مشاركته النظام السوري في حربه ضد المدنيين، تحوّل «حزب الله» إلى ساكت عن الحق، فعندما يعجز عن إحراز أي تقدم في منطقة او بلدة ما، يلجأ إلى تدميرها فوق رؤوس أهاليها وإلى إحراق قرى وبلدات على غرار ما حصل سابقاً في «الزبداني» و»مضايا» و»القلمون». صور هذه المجازر استطاعت ان تُحرّك العالم بأسره وأن تهزّه، لكنها لم تستطع تحريك مشاعر قيادة «حزب الله» في حارة حريك. فبالأمس لم يسأل أهل حلب وإدلب الحزب عن رد الجميل ولم يطلبوا منه شربة ماء يروون بها عطشا خلّفه لهيب البراميل المتفجرة في حناجرهم، ولا حتى سألوه عن إنصافهم في الموت بعد التنكّر لهم في الحياة، بل كل ما توسلوه لا يتجاوز كلمة «الرحمة».
يبدو أن جرائم الحلفاء بالنسبة إلى «حزب الله» بحاجة على الدوام إلى أدلة وبراهين، وإلا تبقى في قاموسه السياسي والعسكري مُجرّد دعاية «مسبوقة الدفع» يستخدمها الأعداء والخصوم في مواجهتهم مع محور «الممانعة». وهذا النوع من التعاطي الذي يُمارسه الحزب والذي يصل إلى درجة الإستخفاف بدماء الأبرياء والتغاضي عن جرائم حلفائه، يُقابل بتعاطف واسع من كافة الاعمار وفئات المجتمع الدولي قبل العربي لكنه يقف عند عتبة المسؤولين في الحزب الذين يُصرّون على أن يكونوا شركاء في دماء الشعب السوري، من دون أن تهزّهم كلمة لوالد طفل قضى تحت مبنىً سكني «أحسدك يا سيد حسن نصرالله، نيّالك، فيوم استشهاد نجلك استطعت بعد استرجاع جثته أن تحتضنه للمرة الاخيرة وأن تُشبع نظراتك ونظرات والدته منه، لكن يا سيد، أنا اليوم لم أتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على ولدي الذي ضاعت أشلاؤه بين أشلاء الآخرين».
هي جملة لا شك بأنها تختصر وجع الشعب السوري وتعكس مدى المظلومية الفعلية التي تُلحق به على يد الحزب، وهنا يبرز السؤال التالي: مع كل هذا التورّط الذي يزداد يوماً يعد يوم، ماذا سيتبقّى في الوجدان المُقاوم على أراض حوّلت «المقاومة» زرعها وبساتينها إلى مقابر جماعية لا تنبت أرضها سوى روائح البارود والموت؟.