Site icon IMLebanon

جدار برلين… يعود!

في التعابير المستحدثة على ألسنة بعض الساسة بات رائجاً استعمال مفردة “تشاركية” بكل ما تنطوي عليها من خفة ظل! لم يعد تعبير “المشاركة” التاريخي يكفي ايضاً فكانت “الميثاقية” وسواها مما يزيد في معجم لا يقول سوى شيء واحد ان لبنان يتقهقر ربع قرن وأكثر.

بالأمس، في ٩ تشرين الثاني، كانت الذكرى الـ٢٦ لانهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة. لم يتنبه اللبنانيون اطلاقاً لهذه الذكرى مع انهم اكثر الأقوام المعنيين بها كالألمان والأوروبيين لان اتفاق “الطائف” التاريخي ما كان ليبصر الحياة عامذاك لولا ذاك الحدث العالمي التاريخي. أنجز اتفاق الطائف في ٢٢ تشرين الثاني ١٩٨٩ اي قبل أسبوعين فقط من انهيار جدار الفصل في برلين، بما أقام الدلالة القاطعة على تزامن ارتباط نهاية الحرب في لبنان بنهاية الحرب الباردة. لا نثير هذه المفارقة الا من منطلق ذعر نخاله يتملك اللبنانيين من ملامح استعادات اشد بشاعة وخطورة لزمن الردة الى التقوقعات الطائفية والمذهبية. انقلبت الأدوار والمواقع بوقائع الزمن اللبناني الحالي لكن التسميات لا تزال هي هي منبئة بان لبنان يقف مرة أخرى أمام الاهتزاز الأخطر منذ اغتيال الرئيس الشهيد الأول في عصر الطائف رينه معوض الذي تصادف ذكرى اغتياله بعد ايام في “عيد الاستقلال”. لم يعد مجدياً التوقف عند المسببات المباشرة للأزمة الجديدة الطالعة على جلسة تشريعية أو قانون انتخاب أو مشاريع مالية عاجلة وقبلها وبعدها أزمة رئاسة شاغرة ومؤسسات مشلولة ومعطلة. هل ترانا مجانين ان كنا نراهن على بقايا يقظة سياسية على أخذ اللبنانيين الى مسالك الإنقاذ بما يمنع انزلاق لبنان الى الانهيار؟ هذا الحاصل منذ بدء الفراغ الرئاسي يثبت ان تجربة المجرب هي العقم بذاته وليس أدل على ذلك من وقوف المشهد السياسي برمته الآن أمام فوضى غير مسبوقة في تبدل معايير الصراع الداخلي رأساً على عقب وعودة النزق الطائفي والمذهبي الى ذروات ما كان يخطر ببال انها لا تزال قابلة لاستعادة هذا النبض العصبي.

لعل ما يقلق في الهرولة السريعة جداً نحو مناخ التطييف والمذهبة والفرز انه يطيح بمعايير صراع كانت على رغم كل شيء “أرقى” بكثير من هذه الحقبة الطالعة. حتى الصراع بين فريقي ١٤ آذار و٨ آذار نشأ واستمر عقداً على معايير سيادية بالدرجة الأولى وتراه هو الآخر مترنحاً تحت وطأة العصبية الناشئة المنذرة بالعودة العنيفة الى فوضى طائفية – مذهبية عمياء. فهل ترانا أمام التحاق انهياري للبنان “أخيراً” بعد طول معاندة مكلفة بالمحيط وسط معطيات تنذر بشرق اوسط مختلف على ما بشر ويبشر به قادة المخابرات الغربية علناً منذ فترة؟