IMLebanon

بري عن بوتين: لاعب جودو بارع

«الانسحاب» بعيون الحريري والسنيورة وجعجع

                                          بري عن بوتين: لاعب جودو بارع

ما ان انتشر خبر القرار الروسي المفاجئ بالانسحاب الواسع من سوريا، حتى بدأ ضرب الأخماس بالأسداس في لبنان. وكما درجت العادة في مثل هذه المناسبات، فإن معظم السياسيين يزجّون عواطفهم في الحدث الذي تجري على الفور «لبننته»، مهما كانت جنسيته الأصلية.

هي لعبة أمم، عابرة للتاريخ والجغرافيا، لا يشكّل لبنان سوى مجرد تفصيل فيها، ما يستدعي من المتحمسين قليلاً من التواضع، بدل التسرع في إصدار أحكام الهزيمة والانتصار، وتوزيع مغانم حرب لم تنته بعد.

بالنسبة للرئيس نبيه بري، فقد نقل عنه زواره قوله، أمس، إن بوتين أثبت مرة أخرى أنه لاعب جودو بارع، مشيراً إلى أنه عندما تدخّل عسكرياً قلب المعادلة الميدانية على الأرض، وعندما قرر الانسحاب أحدث انقلاباً من نوع آخر على مستوى الدفع في اتجاه الحل السياسي.

ويرى بري أن من شأن قرار بوتين المتزامن مع مفاوضات جنيف أن يشكّل ضغطاً على جميع الأطراف، وأن يحفّزها على إبداء المرونة والواقعية في سلوكها وتخفيض منسوب التشدد والتصلّب في طروحاتها، لافتاً الانتباه الى أن الرئيس الروسي كان قد أعلن منذ اليوم الاول لتدخله العسكري عن أن هدفه الأساسي هو تأمين الظروف المناسبة للحل السياسي، وليس خوض الحرب للحرب. ويضيف: الآن بإمكان بوتين أن يقول إنه فعل ما يتوجب عليه لتسهيل التسوية السياسية، وأن على المعارضة السورية والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها أن تفعل الشيء ذاته بعدما كانت تتذرع في السابق بأن الدور العسكري الروسي يعقّد الموقف، فجاء موقف الرئيس الروسي ليسحب الذريعة ويضع الآخرين امام مسؤولياتهم.

ويشدّد بري على أنه من الخطأ مقاربة قرار بوتين بالانسحاب من زاوية التأثيرات العسكرية، معرباً عن اعتقاده بأن مفاعيله الأساسية هي سياسية، ومؤكداً أن روسيا لن تتخلى عن الموقع السوري وعن حضورها في المياه الدافئة.

أما الانعكاسات المحتملة على الأزمة اللبنانية، خصوصاً في جانبها السياسي، فيرى بري أنه من المبكر الخوض فيها، لأن الحل في سوريا لن يكتمل في يوم أو يومين، وبالتالي علينا أن ننتظر بعض الوقت قبل أن نبدأ بـ «تقريش» التطور الروسي لبنانياً.

وبينما رأى الرئيس سعد الحريري أن «لسان حال كل السوريين في هذا اليوم: ارفعوا ايديكم عن سوريا. توقفوا عن قتل الشعب السوري. اخرجوا من سوريا وعودوا الى بلدانكم»..، قال الرئيس فؤاد السنيورة لـ «السفير» إن قرار بوتين بسحب قواته من سوريا يقود الى الاستنتاجات الآتية:

ـ اطمئنان الرئيس الروسي الى أنه أصبح لموسكو الدور الذي كانت تتطلع اليه في المنطقة وأنها باتت شريكة في القرار.

ـ إدراكه أن البقاء لفترة أطول في سوريا سيترتب على موسكو كلفة أكبر وسيهدد بانغماسها في المستنقع السوري، وصولاً الى استنزافها، فكان قرار الانسحاب الوقائي ضرباً من ضروب الذكاء.

ـ احساسه بأن بشار الاسد لم يتعلم الدرس، بل بات أكثر تشدداً بعدما أعيد تمكينه بفعل القوة العسكرية والمعنوية الروسية وليس بفعل قوته هو.

ـ قناعته بأن الكلفة الاقتصادية للمشاركة الروسية في الحرب باهظة.

ـ توجيه رسالة الى ايران و «حزب الله» بأن عليهما أن يراجعا حساباتهما في سوريا.

في هذا الوقت، اعتبر رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع أن الخروج الروسي من سوريا في الذكرى الخامسة على انطلاق الثورة ليس إلا تأكيداً لما ذهبت إليه منذ اللحظة الأولى لهذا التدخل بأن هدفه ينحصر في تأجيل سقوط النظام للمرحلة التي تستوي فيها التسوية، لأنه لولا هذا التدخل لكان النظام اليوم في خبر كان، فيما معظم التقديرات كانت ذهبت للترويج عن انتصار موهوم بعد التدخل الروسي والذي جاء هذا الانسحاب ليؤكد ان الانتصار الوحيد هو للشعب السوري.

إلا أن قيادياً بارزا في فريق «8 آذار» أبلغ «السفير» أن بعض شخصيات «14 آذار» تغالي في استنتاجاتها وتحليلاتها، مستندة في مقاربة أبعاد التحول الروسي الى عواطفها وأمنياتها، وليس الى الوقائع المجردة.

ويعتبر القيادي المذكور أن تفسير خيار بوتين المستجد على اساس انه هزيمة للنظام وانتصار لأعدائه إنما ينطوي على مغالطة كبرى، تتجاهل الدوافع الحقيقية الكامنة خلف هذا الخيار.

ويشير القيادي نفسه الى أن خطوة الرئيس الروسي تهدف بالدرجة الاولى الى الضغط على جميع القوى المعنية بالأزمة السورية للتجاوب مع مساعي الحل السياسي، على قاعدة تخفيض سقوف المطالب والشروط، سواء لدى النظام او المعارضة، علما أن موسكو لا تزال حاضرة عبر بعض القواعد العسكرية، والغارات التي نفذت أمس بالتزامن مع قرار الانسحاب تحمل أكثر من دلالة.