وسط الرياح التي تهب على الساحة اللبنانية، برز الحوار المتقطع بين الرئيس نبيه بري والتيار الوطني الحر كمحاولة لترتيب أثاث بيتٍ بمنازل كثيرة ومبعثرة… فهل يمكن أن يذهب بعيداً أم لا يصح تحميله اكثر مما يتحمّل؟
يخضع الحوار الجانبي بين الرئيس بري والتيار الحر الى تفسيرات شتى واستنتاجات متباينة، ما دفع النائب غسان عطالله (صلة الوصل الحالية بين ميرنا الشالوحي وعين التينة) الى إصدار بيان توضيحي عبر مكتبه ينفي فيها الأخبار الملفّقة حول مجريات لقاءاته مع بري، معتبرا انها من نسج خيال أصحابها ولا تخدم الا المتضررين من الايجابية التي ترشح عن اللقاءات.
وبمعزل عمّا اذا كان حوار بري – التيار سيؤدي الى نتائج عملية على مستوى الملفات التي يناقشها ام لا، فإنّ المتحمّسين له يعتبرون ان له جدوى أكيدة، أقله على صعيد التخفيف من حدة انكشاف الجبهة الداخلية أمام التحديات الداهمة في هذه المرحلة.
وقد أتت جريمة قتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان وما رافَقها من احتقان سياسي – طائفي لتُثبت الحاجة الملحّة الى إبقاء جسور التواصل ممدودة بين التيار الحر وحركة أمل، ولو من أجل تطويق اشباح الفتنة وضبط إيقاع الخلافات السياسية تحت سقف حماية الاستقرار، اذا كانت معالجتها صعبة حالياً.
والى جانب التوترات الأهلية المتنقلة التي تستوجِب تفعيل صمامات الأمان المتوافرة في الخدمة، بُغية اكتساب الحد الأدنى من المناعة الوطنية، فإنّ الحرب على غزة وتداعياتها على الجنوب تبدو في حد ذاتها سبباً كافياً وجوهرياً للحوار، وهي بالفعل شكّلت احد حوافز إعادة ضخ الحرارة في خط التيار – أمل.
وعندما بدأ العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة أبلغ العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل الى بعض القريبين منهما بأنهما يرجّحان ان يطول أمدها، وهذا ما حصل، الأمر الذي حفّز باسيل على تكليف عطالله بالحوار مع بري في إطار السعي الى البحث في إمكان ترميم الجبهة الداخلية تحسّباً لكل الاحتمالات الاسرائيلية. وما ساعدَ عطالله في خوض مهمته هو انّ علاقة جيدة تربطه برئيس المجلس النيابي على الصعيد الشخصي.
ويستشعِر التيار كما بري انّ هناك تجييشا طائفيا غير مسبوق في البلد، عكسه ما حصل في بلدة رميش ثم في منطقة جبيل.
ولعل خطورة الاحتقان السائد راهناً تكمن في انكشاف الداخل على الخطر الإسرائيلي، خلافاً لما كان عليه الوضع خلال حرب عام 2006، حين احتضنت البيئات اللبنانية المتنوعة جمهور المقاومة والنازحين من الجنوب، وبالتالي فإن الخشية هي من ان يستغلّ الكيان الاسرائيلي الواقع المستجد والثعرات الطائفية للعب على أوتار الانقسامات واستثمارها في اي عدوان محتمل.
من هنا، فإنّ من بين الآمال التي يعلّقها البعض على حوار امل والتيار، «تصعيب» اي محاولة اسرائيلية لتوظيف النزاعات الداخلية في لبنان من أجل خدمة مشاريع تل ابيب ومصالحها.
أما الشق الآخر في جدول أعمال النقاش بين بري وموفد رئيس التيار فيتصل بمسعى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، على وقع مبادرة تكتل الاعتدال الوطني وحراك اللجنة الخماسية الذي سيتجدد بعد عطلة العيد.
وقد ركز عطالله خلال زياراته لبري على شرح حقيقة موقف التيار من الحوار أو التشاور المقترح في سياق آلية انتخاب الرئيس، واستفسَر حول بعض التفاصيل الغامضة تحسّباً لشياطينها التي قد تفجّر اي مبادرة.
ويبدو ان التيار وبري «تقاطَعا» في سياق النقاشات على الأمور الآتية:
– تحديد مهلة لمدة الحوار المفترض لا تتجاوز السبعة أيام كحد اقصى.
– التمثيل يكون على مستوى الكتل لا الاحزاب، لأنّ المقصود ليس حوارا وطنيا بأجندة فضفاضة وإنما تباحث محصور في شأن يخص المجلس النيابي وهو انتخاب رئيس الجمهورية.
– عند انتهاء الحوار وأياً كانت نتائجه تُفتح أبواب المجلس امام جلسات متتالية.
ولكن هذا التقاطع حول بعض القواسم المشتركة لا يزال طريا ورَخوا، وبالتالي يحتاج إلى تثبيت وتطوير حتى يمكن البناء عليه، مع الاشارة الى انّ هناك امورا أخرى بقيت عالقة، من بينها شكل الحوار وهل يكون حول طاولة مستديرة ام متحرراً من القوالب المعروفة؟
ومن المسائل الخلافية أيضا ما يرتبط بسلوك حكومة تصريف الاعمال وغطاء الثنائي الشيعي له، الأمر الذي يعتبره التيار خللاً استراتيجياً في موجبات الشراكة والتوازن، بينما يشدد بري على ضرورة انعقاد جلسات للحكومة بمعزل عن بعض الملاحظات لأنّ الشغور الرئاسي طال ولا يمكن تجاهل احتياجات الناس والدولة.
ومع ذلك، يدعو المتحمسون للتقريب بين الطرفين الى اعطائهما الفرصة الكافية لإعادة بناء الثقة المتبادلة قبل الحكم عليها.