قبل أربع وعشرين ساعة من موعد انعقاد القمة الـ13 لمنظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول، وفي »لقاء الاربعاء النيابي« الاسبوعي، حرص الرئيس نبيه بري على ان ينقل أكثر من انطباع عن خلاصة لقائه مع الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي الذي كان استقبل ولأيام عدة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.. كما وعن قراءته للمداولات التي جرت في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، الذي يرأسه هذه الدورة..
خلاصة ما توصل اليه بري يتوزع بين القلق على مسارات الأحداث الاقليمية وصعوبة التوصل الى خواتيم سعيدة، في وقت قريب، تنهي الحروب العاصفة في عدد من الدول العربية، وتحديداً سوريا بالنظر الى تعدد اللاعبين الدوليين والاقليميين، حيث لكل لاعب موقعه ودوره ومصالحه التي غالباً ما لا تتفق مع مصالح الآخرين، او تتقاطع معها في عدد من النقاط.. في مقابل نفحة من التفاؤل، او الطمأنينة بأن لبنان لن يكون متروكاً لـ»لعبة الأمم«، شرط توافر الحصانة الداخلية، ولو بالحد الأدنى..
شجع الرئيس المصري الرئيس بري على مسألتين اثنتين: الحوار بين الافرقاء اللبنانيين كافة، والعمل بأقصى جهد ممكن لانتخاب رئيس للجمهورية بعد الشغور الذي طال، كما وبذل الجهد من أجل نأي لبنان بنفسه عن الغرق في دائرة الصراعات الدائرة في المنطقة، وقد أثبتت التجارب ان لبنان لا يحتمل ذلك..
ينتظر الرئيس بري موعد انعقاد جلسة »الحوار الوطني الشامل« في العشرين من الشهر الجاري لينقل الى الجميع انطباعاته وما توصل اليه وما يراه »ضرورة الضرورات«.. وهو على قناعة »بأن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..«؟!
أولى أولويات رئيس المجلس، على ما بات معروفاً وموثقاً بالصوت والصورة والكلمة، هي اعادة تفعيل عمل مجلس النواب، وهو بات على يقين بأن الكرة هي في ملعب أفرقاء »المارونية السياسية« الثلاثة (»التيار الوطني الحر«، و»القوات اللبنانية« و»حزب الكتائب«) وان بنسب مختلفة.. آملاً ان تحصل معجزة اقليمية ما توفر للبنان أسس انجاز الاستحقاق الرئاسي، وذلك على الرغم من ان الافرقاء الاقليميين المتهمين بالعرقلة، او بالتعطيل لا يتركون مناسبة إلا ويشددوا فيها على أهميتين اثنتين:
– الأولى: ابقاء الوضع اللبناني أمنياً بمنأى عن حروب المحيط.. وتعزيز دور الجيش والقوى الأمنية.
– الثاني: تفعيل عمل المؤسسات، خصوصاً أكثر عدم تعريض الحكومة لأي اهتزازات في ظل الشغور الرئاسي..
ليس هناك من ضمانات بأن جلسة الحوار الشامل ستفضي الى النتائج التي يسعى اليها الرئيس نبيه بري، وتحديداً ما يتعلق باعادة مجلس النواب الى العمل عبر «تشريع الضرورة« او »ضرورة التشريع«، مدعوماً من الرئيس سعد الحريري ومن النائب وليد جنبلاط، وأخيراً من »حزب الله« الذي جاهر بموقفه الداعم لهذا التوجه، خلافاً لرغبة حليفة »التيار الحر« الذي بدوره يشعر بأن الظروف مؤاتية لاعادة الاعتبار للوجود المسيحي سياسياً خصوصاً بعد ابرام »التفاهم« مع »القوات اللبنانية« منتصف كانون الثاني الماضي وهو »تفاهم« (في قراءة عديدين) أحدث »صحوة« في البيئة المسيحية و»ارتياحاً« في »الشارع المسيحي« تتوسع دائرته يوماً بعد اليوم..
في قراءة عديدين، ان ما كان قبل »اتفاق معراب« و»اعلان النيات« يس كما بعده، والفريقان المارونيان الأساسيان، »التيار« و»القوات« باتا على قناعة، او يسوقان لقناعة، باستحالة تهميش حضورهما وتجاوز دورهما او الحاقه بالآخرين، او احداث خرق ما يعيد الأوضاع الى ما قبل التفاهم العوني – القواتي، الذي يعد لانجاز الانتخابات البلدية كفريق واحد في غالبية المناطق التي يتواجدان فيها..
حتى اللحظة، لم يتمكن الرئيس بري، ولا من يؤيده في اعادة تفعيل عمل مجلس النواب في احداث أي خرق في »جبهة الممانعة العونية – القواتية« لفتح ملف التشريع، وهما لن يحضرا الى مجلس النواب إلا اذا كان قانون الانتخاب (الذي لم ينجز) على رأس جدول الأعمال.
خلفية تمسك الثنائي العوني – القواتي بأولوية قانون الانتخاب، تستند الى رغبة في »تحرير ارادة المسيحيين من هيمنة القوى الأخرى«، على المستوى البرلماني، كما على المستويات كافة على نحو ما يحصل في التعامل مع مسألة »أمن الدولة« وسائر المؤسسات. هذا مع الاشارة الى ان »التيار« و»القوات« لم يتوصلا بعد الى رؤية واحدة لقانون الانتخابات النيابية الذي يؤمن صحة التمثيل المسيحي ويلبي التطلعات، والبحث على ما يشاع، لايزال يدور في حلقة مفرغة، بين النسبية المطلقة، او المزاوجة بين النسبية والأكثرية..
اللافت، أنه وفي مواجهة من يرمي كرة التعطيل في ملعب »المارونية السياسية« هناك من يعتقد جازماً، ان »أفرقاء 8 آذار« وتحديداً »حزب الله«، أضاع فرصة لا تقدر بثمن بعدم حسم الخيارات الرئاسية، والبقاء عند خيار التمسك بالجنرال عون، وهو »جرح يعض عليه الرئيس بري« ولا يرى موجباً لاثارة اشكالية مع الحزب، خصوصاً وان الحزب قد عزز خياره بتبني »القوات اللبنانية« ترشيح عون للرئاسة ولا تجد خياراً من قبل ان يتخلى الرئيس سعد الحريري عن تبنيه ترشيح رئيس »تيار المردة« النائب سليمان فرنجية، وقد أفاض بري في شرح هذه العقد أمام الرئيس المصري الذي خلص الى قناعة المضي في الحوار وتعزيزه و»نحن الى جانبكم«..؟! وعلى ما يبدو، فإن رئيس المجلس ماض في مساعيه لترتيب انعقاد جلسة التشريع، وقد أنجز قراءة خاصة »بالميثاقية« وما تعنيه وبشروطها وما اذا كانت متوفرة، او ستتوفر في غياب »مكونات مسيحية« عن الجلسة النيابية؟!