مرّة جديدة تهتزّ «الكيمياء السياسية» غير المتوافرة أصلاً بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. اشتباك غير مفاجئ بين الرجلين حول عنوان غير مفاجئ أيضاً هو «تشريع الضرورة». أمّا السبب فمعروف هو الآخر انطلاقاً من تمسّك الأوّل بعقد جلسة تشريعية «لتسيير شؤون البلاد والعباد»، ورفض الثاني لهذا التشريع.
وإذا كان «الأستاذ» يتحصّن هذه المرّة بموقف رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم الذي زار بيروت قبل أيام برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعا مجلس النواب إلى إقرار بعض القروض الميسّرة من جانب البنك الدولي من أجل توفير الدعم اللازم في مواجهة ملف النازحين السوريين، فإنّ «الجنرال» يلجأ، كما في مناسبات سابقة، إلى ذريعة «غياب الميثاقية» عن هذا التشريع بفعل اعتراض الأحزاب المسيحية الكبرى عليه، أي التيّار «الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية» وحزب «الكتائب».
وواقع الحال أن رئيس المجلس ورئيس «التغيير» خطّان متوازيان «لا يلتقيان إلاّ حول عنوان وحيد هو اعتماد النسبية في قانون الانتخاب»، كما يقول برّي أمام سائليه، ليضيف أن أي عنوان آخر لم يحظَ بتوافق بينه وبين الجنرال منذ فترة طويلة، لا في الشأن الرئاسي ولا في الشأن النيابي ولا في الحكومي أو الاجتماعي أو أي شأن آخر.
أمّا السبب فيعود حسب اعتقاد رئيس المجلس إلى وجود «بعض المشاركين في حلقة عون الضيّقة الذين لا يتقنون سوى سياسة المزايدة والتحريض الطائفي بما يدفع البلد إلى دفع أثمان كبرى وبصورة متكرّرة، في وقت تحتاج البلاد والعباد إلى أعلى قدر من الهدوء والاستقرار والاعتدال والابتعاد عن لغة التشنّج أو التهييج الطائفي».
ويسأل رئيس المجلس حسب زوّاره: «أيجوز إضافة فراغ تشريعي إلى الفراغ الرئاسي؟ هذا أمر غير مقبول، ثمّة قضايا تعني المواطنين ولا يمكن المماطلة في إقرارها لهذا السبب أو ذاك. وما علاقة الميثاقية بقضايا الناس؟ هذا كلام تحريضي ولا صلة له بالدستور. أنا أوّل مَن تمسّك بمبدأ الميثاقية، هذه عدّة شغلي أنا، لكن حول قضايا لها علاقة فعلاً بالميثاقية وليس بمسائل تعني شؤون الناس».
ويسهب برّي في معرض الردّ على سائليه في شرح أو تعريف «الميثاقية» التي تُعنى أساساً بمسائل جوهرية في النظام، أو عناوين يمكن أن تغيّر وجه البلد أو صيغته (المناصفة والمشاركة..). أمّا التذرّع بالميثاقية في كل شاردة وواردة بما في ذلك شؤون المواطنين اليومية ففيه تجنٍّ على مصالح الناس: «التشريع ليس مفصّلاً على قياس طوائف أو مذاهب وإنّما يعود بنتائج مفيدة على كل المواطنين من دون استثناء أو تمييز».
وإذا ذكّره أحد الزوّار بحجم القوى الحزبية المسيحية المعترضة على التشريع، سارع الرئيس برّي إلى تذكيره في المقابل: «ومَن قال إنّ الميثاقية يمكن حصرها بجهتين أو ثلاث جهات حزبية وحسب، ألا يملك النائب سليمان فرنجية حيثية تمثيلية، والنائب بطرس حرب، أو مسيحيو كتلة «المستقبل»؟
لهذه الأسباب مجتمعة يؤكّد رئيس المجلس عزمه على الدعوة إلى جلسة تشريعية في أقرب وقت «مهما كان الثمن»: كنت في صدد توجيه الدعوة خلال الأيام الماضية، لكن وفاة والدة رئيس الحكومة تمام سلام من جهة، وسفر رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة من جهة ثانية، دفعاني إلى تأجيل الدعوة بضعة أيام، لكن ليس أكثر، لأنّ ملف التشريع لم يعد يحتمل التأجيل. فهل تحتمل مصالح الناس وقضاياهم التأجيل؟