تواجه جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس اليوم اختبارات عدة، تتعدّى الإطار الإجرائي المحض، إلى الدلالات السياسية، في أول ظهور «رسمي» للنواب الجدد، سيبدأ معه «حك الركاب».
ليس السؤال المطروح اليوم: هل سيُنتخب «النائب» نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي؟ بل بأي نسبة من الأصوات كمّاً ونوعاً؟
بهذا المعنى، فإنّ اهتمام البعض يتركّز في شكل أساسي على احتساب عدد الأصوات التي سينالها بري، ليس من باب الإحصاء الرقمي، وإنما من زاوية قياس مساحة الغطاء السياسي والطوائفي الذي سيحظى به في بداية ولايته السابعة.
ولعلّ العامل الأشدّ دلالة في هذا الإطار، هو حجم التصويت المسيحي الذي سيحصل عليه بري، المعروف انّه من المتمسكين بالتوازن الميثاقي. وإضافة إلى ذلك، فإنّ النتيجة التي ستفضي إليها جلسة اليوم، ستكون مؤشراً إلى طبيعة موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات، وستحدّد الفائز في الجولة الأولى من المنافسة على صنع الأكثرية النيابية، وسط جزر من الكتل المبعثرة.
من هنا، يكتسب الخيار الذي سيعتمده «تكتل لبنان القوي» في جلسة اليوم أهمية خاصة على مستوى رسم سيناريو عملية انتخاب الرئيس ونائبه، خصوصاً انّ احد أعضاء التكتل، الياس بوصعب، أصبح جزءاً عضوياً من الـ«سوسبنس»، بعد ترشحه إلى موقع نائب الرئيس.
ومع انّه سبق لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ان اعتبر أن لا موجب لانتخاب بري، الّا انّ الأرجح هو انّ ترجمة هذا الموقف ستنطوي عملياً على مقدار من المرونة المدروسة، التي توفّق بين مقتضيات الالتزام بالقرار المعلن وبين البراغماتية في مقاربة الحسابات المجلسية والتوازنات الداخلية، بحيث يتوقع بعض المواكبين لـ»المخاض»، ان يمتنع النواب البرتقاليون الحزبيون عن التصويت لبري، على أن يُترك هامش للتمايز أمام أولئك غير الحزبيين.
ويبدو أنّ الرئيس ميشال عون نفسه مقتنع بضرورة مراعاة خصوصيات الواقع، بمعزل عن الأشخاص والموقف منهم، كما يؤكّد العارفون الذين يلفتون الى انّ رئيس الجمهورية يتعاطى مع استحقاق اليوم من زاوية وجوب التعجيل في تشكيل الإدارة المجلسية وانطلاق عمل مجلس النواب، لضمان انتظام الاستحقاقات المقبلة. وبالتالي، هو يعتبر انّه يجب فصل العواطف الشخصية عمّا تقتضيه المصلحة العامة، وصولاً إلى تفادي إعطاء أي انطباع بأنّ هناك استهدافاً لمكوّن لبناني عبّر عن إرادته في صناديق الاقتراع، مع ما يمكن أن يرتبه ذلك من أزمة وطنية لا مبرّر لها.
وضمن هذا السياق، تشير اوساط مسيحية صديقة لـ«التيار الحر» وعين التينة على حدّ سواء، إلى انّ المسألة لم تعد تتعلق بشخص بري حصراً. منبّهة الى انّه وبعد فوزه في الانتخابات وتقديمه كمرشح أوحد الى رئاسة المجلس من قِبل «الثنائي» الذي ربح المقاعد الشيعية جميعها، فهو أصبح منذ ذلك الحين ممثلاً ميثاقياً للطائفة أبعد من حدود شخصه، وأي محاولة لتحجيم انتخابه ستكون تصويباً على إرادة المكوّن الذي رشحّه وليس عليه.
وتلفت الاوساط، الى انّ باسيل الذي لطالما نادى بضرورة احترام الأقوى في بيئته، معني أيضاً بإجراء مقاربة واقعية للمعادلة القديمة – الجديدة التي أفرزتها الانتخابات النيابية على الصعيد الشيعي، بمعزل عن معارضته المعروفة لبري.
وتشير الأوساط، الى انّ بوصعب يمكن أن يشكّل، إذا فاز، صلة وصل سلسة بين ميرنا الشالوحي وعين التينة، خصوصاً انّ هناك كيمياء تجمعه ببري، على رغم التباينات السياسية.
وترى الاوساط القريبة من بري والتيار، انّ وصول بوصعب إلى مركز نائب الرئيس سيتيح لباسيل ان يكون على تماس مباشر مع المطبخ المجلسي، وان يعطي قوة دفع لاقتراحات القوانين الإصلاحية والحيوية التي سبق أن تقدّم بها تكتل «لبنان القوي».
لكن من الواضح أنّ «القوات اللبنانية» قادت معركة شرسة في الكواليس سعياً لإسقاط بوصعب، الذي سيكون انتخابه نكسة لها، خصوصاً بعد إصرارها على أنّها هي التي تفوقت على التيار في امتحان 15 أيار، وانّ الأكثرية انتقلت من ضفة الى أخرى. ويفيد المطلعون، أنّ «القوات» نزلت بكل ثقلها وإمكاناتها إلى الساحة لعرقلة مهمة بوصعب، فهل تنجح؟ أم يتجاوز الياس «الصعب»؟