كانت تلك الأسطر الأربعة في مقدمة نشرة اخبار محطة «الجديد» السبت الماضي، حول تلزيم موقف مطار بيروت الدولي، كافية لاشعال حرب لا هوادة فيها بين «حركة أمل» بزعامة الرئيس نبيه بري وبين رئيس مجلس ادارة «الجديد» رجل الأعمال تحسين خياط.
واذا كانت المحطة لا تعتبر ان الامر «يستأهل هذا الهجوم الكبير عليها، في ظل ايمانها الذي لا يتزعزع بمحاربة الفساد»، فإن حركة «امل» تنطلق من «التوقيت المشبوه»، في هجوم المحطة، بدءا من تلزيم موقف السيارات في مطار رفيق الحريري الدولي، وصولا الى استهداف دور بري «الإطفائي» في مواجهة كل محاولات اشعال الفتنة في لبنان.
بالنسبة الى المراقبين، يبدو ان الامر ابعد من موضوع «باركينغ» المطار كون ارهاصات سبقته في الفترة القريبة الماضية ويختلط فيها الموضوع الاعلامي مع «البيزنس» مع السياسي، ناهيك عن عدم غياب البعد الشخصي.
ولقد حاول عدد من «سعاة الخير» وأبرزهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، في أكثر من مرة، اصلاح الموقف، لكنه كان يواجه بما يعطل مهمته في اللحظة الأخيرة.
وهذا الاشتباك ليس الاول من نوعه، وثمة من يُذكر بمنع وزير التربية الليبي من دخول لبنان قبل مدة، ردا على عدم جدية السلطات الليبية في التعامل مع قضية الامام المغيب السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والزميل عباس بدر الدين.
ويشير بعض المتابعين الى ان افشال زيارة الوفد الليبي ادت الى افشال مشروع مالي كبير لدار النشر التي يديرها آل خياط والتي تطبع معظم الكتب المدرسية العربية ولها حضور في بلدان أجنبية بما فيها الجامعات البريطانية. تطور الموقف لاحقا الى حملات شنتها قناة «الجديد» ضد بري.
اليوم، يبدو السؤال هل ان طرح قضية تلزيم موقف المطار تحمل في طياتها قطبة مخفية لا يعرف بحقيقتها سوى تحسين خياط من جهة والرئيس نبيه بري ومعاونه السياسي الوزير علي حسن خليل من جهة ثانية؟
يقول القيمون على محطة «الجديد» إن اثارة القضية «جاء من باب مكافحة الفساد لكون المناقصة رست على شركة VIP، لكن وزير الاشغال العامة غازي زعيتر تجاوز قرار مجلس شورى الدولة مستخدما الوصاية السياسية على ديوان المحاسبة لتحويل التلزيم الى «شركة الخرافي» (الكويتية) التي تتولى تمويل قناة «ان بي ان»، حسب قناة «الجديد» التي أوردت ذلك في أسطر قليلة يوم السبت الماضي.
قبل ذلك، كانت قد بلغت وزير المال اشارات من القيمين على محطة «الجديد» بانه في حال عدم صرف مبالغ مالية تتعلق بمناقصة في قطاع الكهرباء كانت قد رست على شركة يديرها نجل تحسين خياط، فان رئيس مجلس الادارة سيوعز للقيمين على المحطة شن حملة ضد وزير المال و «رئيسه السياسي» الرئيس نبيه بري!
ومن دون سابق انذار، ارتسمت معالم خطوط تماس بين عين التينة ووطى المصيطبة. شنت قناة «ان بي ان» حملة على «المحطة المرتزقة» و «الدكانة» وخياط الذي يريد ان «يمول سرقاته في الكهرباء والدواء والورق والإعلام»، واضافت المحطة في نشرتها الاخبارية المسائية يوم الاحد الماضي ان تحسين خياط «حوّل قناعاته الى «باركينغ للسمسرة والمنافع الشخصية»، وأنه يريد بذلك «تأمين نسبة مشاهدة عالية عبر استهداف بري».
ترافقت هذه الحملة مع حملة موازية على مواقع التواصل الاجتماعي التي شرعت في هجوم عنيف على خياط تحت هاشتاغ #ابن_القذافي_تحسين، في ما تصفه ابنته كرمى خياط، وهي نائبة رئيس مجلس الادارة والمشرفة على الاخبار والبرامج السياسية في «الجديد»، بأنه «شكل تمهيدا لرسالة الرصاص الغزير» على مكاتب رئيس مجلس الادارة تحسين خياط، في بئر حسن، فجر أمس، والتي توجه منفذوها الى منطقة الجناح، حسب أشرطة الفيديو التي تم رصدها في المنطقة (21 طلقة أصابت المبنى وتحديدا الطابق الأخير الذي يقع فيه مكتب خياط وتم العثور على مظاريفها على أوتوستراد الماريوت).
من جهتها، تنفي أوساط «أمل» بشدة هذا الاتهام، وتقول إنه يأتي مِن قِبل مَن «استأجر مِن فريق يريد ان يستهدف الرئيس نبيه بري».
وبينما تتساءل «أمل» عن توقيت الاستهداف «ولمن يعمل هذا الفريق المرتزق»، تقول أوساطها انه «لا يمكن لـ«حزب تلفزيون الجديد المعروف بالابتزاز والارتزاق للاستمرارية ان يحجب حقيقة دور الرئيس بري على الساحة وهو القامة الوطنية الكبيرة التي يحفل تاريخها بالإنجازات الوطنية». وتضيف: «الجميع يعرف دور رئيس المجلس كصمام امان للوطن اليوم، ومن هنا تحديدا يأتي استهدافه».
لذا، تبدو «أمل» واضحة وحازمة في القول ان المعركة هي «لاستهداف لبنان وجره الى الفتنة عبر افشال أي مسعى يخرجه من ازمته الراهنة».
من ناحيتها، تسخر الزميلة كرمى خياط من إقحام «الطابور الخامس» دوماً في القضايا التي تثيرها «الجديد» التي تصور يوما بأنها عميلة لقطر ويوما آخر بأنها عميلة لإيران. واذ تنفي خياط، استهداف بري، تشدد على ان القناة اثارت موضوع موقف المطار في اطار محاربتها للفساد، علما أن محطات أخرى تناولت القضية «لكن الفارق يكمن في اننا نسمي الأشياء بأسمائها ولا ريشة فوق رأس احد».
وتتوقف خياط عند حملة الشتائم والافتراءات التي بلغت مرحلة من الاسفاف لم يبلغها الإعلام قبلا، ما مهد لرسالة الرصاص أمس «التي تريد عبر الصراخ اثبات القوة وهو امر ما كان ليحصل لولا انه حصل على غطاء من بري»، حسب خياط.
بعد اطلاق الرصاص على مكاتب مالك «الجديد»، رفعت العائلة دعوى قضائية تضمنت إسم الحركة ومقدمات نشرات الـ NBN. وتقول خياط ان العائلة لجأت بذلك الى مؤسسات الدولة التي تريد ان تحتمي بها بوجه الميليشيات وهي ترهن مسؤولية الدفاع عن المحطة اليوم الى القوى الأمنية.
لكن، لا يبدو ان الامور ستقف عند هذا الحد، وتؤكد خياط «اننا سنكمل في معركتنا بوجه أي مسؤول، فنحن لسنا ابواقا لأحد ودورنا الصحافي يحتم علينا ذلك.. ولو قتلونا». يذكر أن الاعتداء الذي تعرضت له مكاتب تحسين خياط، حظي بادانة من عدد كبير من الوزراء في الحكومة وأبرزهم وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل المستقيل أشرف ريفي، ومن عدد كبير من القيادات السياسية، فضلا عن معظم المؤسسات الاعلامية.