Site icon IMLebanon

بري والحريري رفضا الفرزلي وعون يعرف انه «ممتعض»

تدلّ شهادة السفير الروسيّ لدى تركيا أندره كارلوف بتلك الوحشيّة على مشهد واضح لا يحتاج إلى مزيد من التأويل والجهد في التفسير واجهته مدينة حلب، وما نتج عن الحسم فيها. وبمقدار ما لفت مشهد سقوط كارلوف على الأرض مضرّجًا بدمائه، وقد أحس بالألم الشديد لحظة اختراق الرصاص قلبه، فإنّ صراخ القاتل الشاب قبل قتله من قبل الشرطة التركيّة، أخذ كلّ من شاهد الفيلم إلى حقيقة واضحة بان سقوط حلب من أيديّ المقاتلين والدول الرعاة لهم، وعودتها إلى الدولة السوريّة، ومساهمة الدولة الروسيّة المباشرة في القتال، هو العنوان الجوهريّ المؤدّي بكليّته إلى هذا الانتقام.

وتنطلق من جوف تلك اللحظة مجموعة تفسيرات ستتراكم أمام الناس، حول المعاني المتجسدة من هذا الاغتيال، وقد حاول الرئيس التركيّ رجب أردوغان إقناع العالم بان جماعة عبدالله غولان هم خلف الاغتيال، فيما مصادر أخرى راحت تسأل وبوضوح، ما علاقة غولان بهذه العمليّة، في حين تقول مصادر أخرى بأنّ الأميركيين قد اخترقوا المكان بعميل لهم وقاموا بقتل السفير كتهديد مباشر لروسيّا.

اللغز الأساسيّ هنا، لماذا الشرطة التركيّة لم تقبض على الشاب القاتل بدلاً من قتله، لماذا لم تصبه في ساقيه لتشل حركته فيتمّ التحقيق معه بدلاً من إخفاء الحقيقة تحت التراب معه؟ هذا سؤال منهجيّ يطرح بشدّة وقوّة، وتحاول السلطة التركية التعمية من خلال إظهار التعاطف الشكليّ واللفظيّ فيما هي المتضرّر الأساسيّ من حسم المعركة في حلب، ويظهر الكلام الحادّ الذي ألقاه أردوغان غداة انتصار الدولة السوريّة في حلب، مدى الحقد على الرئيس السوريّ بشّار الأسد، مهدّدًا بإغلاق الحدود، وتلك علامة خطيرة جدًّا.

وفي هذا المجال اعتبر مصدر دبلوماسيّ بأنّ كلام أردوغان يشي عن حقد عبثيّ وفقدان قدرته وتلاشي حلمه القديم بترسيخ ما سمي بالعثمانية-الجديدة. ويكمل هذا المصدر قائلاً، بأنّ تلك الرؤى تزاحمت بصورة شديدة على الأرض التركيّة بانعكاس سلبيّ قاد العسكر والناس إلى الانقلاب عليه، وحين رأت روسيا، وبحسب المصدر المذكور، بأنّ وضعه بخطر انقذته من الموت، لأسباب عديدة منها:

1-لا يوجد بديل يحكم سوريا سوى الجيش في وقت قد ينقسم الجيش على ذاته، بسبب مكائد أردوغان له وسعيه إلى تحطيمه بعد تمزيقه.

2-الإطاحة به ستعزّز أكثر نظام الفوضى ليس في تركيا بل منها إلى المنطقة بأسرها في حين انّ المعركة في سوريا تتطلب المزيد من التوازن وعدم الانعكاس السلبيّ في الداخل التركيّ.

3-خشيت القيادة الروسيّة من أنّ الإطاحة بأردوغان ستنتهي إلى سيطرة واضحة للحركات التكفيريّة والإسلامويّة، وسيؤول ذلك إلى مجازر هائلة بين كلّ المكونات وهذا غير محمود النتائج على الإطلاق. ويشاء الجيوبوليتيك الرابط بين روسيا وتركيا ان يهيمن على تلك المسائل ولذلك قامت روسيا وأنقذت أردوغان واحبطت المخطط الأميركيّ بقتله وإحداث نظام من الفوضى.

4-إن الإطاحة أيضًا لن تنحصر بتركيا بل ستتشظّى المنطقة كلّها وستتعزّز أكثر الحروب المذهبية والطائفيّة وتتعثّر المعركة في سوريا لصالح المتطرفين والتكفيريين.

وعلى الرغم من ذلك، وبحسب هذا المصدر، فإن تركيا وأردوغان بالذات حاول التفاوض بالكلام والنار أيضًا، حاول الدمج بين الروس والأميركيين برؤيتين متناقضتين، وهو العارف بانّ الفخّ الذي فيه عبثيّ أكثر من عبثيّته ويتحكّم به كخيوط العنكبوت. إن استشهاد السفير الروسيّ في تركيا تتمثّل فيه كلّ تلك العناصر وتترجم نفسها على أرض الواقع بصورة سلبية فاقعة على حد قول المصدر الديبلوماسي، وفي كلّ هذا لن يكون رجب طيب أردوعان بعد الآن مستكينًا في عنجهيته ولا الهستيريا، بل على العكس سيرى نفسه في تقلّص واضح بين الداخل والخارج، خالي الوفاض مهيض الجناح. لقد فهم أردوغان خلال تواصله ولقائه مع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بأنّ شرط شراكته في الحلّ السياسيّ يتمثل بالاعتراف المرن بالرئيس السوريّ بشار الأسد والانطلاق في ترسيم الأمور معه سيّما بان عناوين محدّدة تتمثّل بمصالح مشتركة تجمع تركيا إلى سوريا. فيما هو لم يمتثل لشروط بوتين. ويسأل هذا المصدر حتى ولو أغلق الحدود مع سوريا فماذا ستكون ردّة الأكراد عليه، وكيف سيعالج مشاكله الداخلية وبخاصّة بعد انتصار حلب وبحال قررت روسيا معاقبته؟

إن اغتيال السفير الروسيّ كارلوف لا تتمثل فيه عناصر الأزمة بل قد تتمثّل فيه عناصر حسم الصراع في سوريا. ويقول السفير الروسيّ في بيروت ألكسندر زاسيبكين بأنّ مقتل كارلوف لن يثني الروس على إكمال الحسم الميداني والبلوغ نحو تسوية سياسيّة في الداخل السوريّ، ولن يثني روسيا عن دعم الرئيس بشار الأسد بصورة مباشرة، فالتسوية السياسيّة في الداخل السوريّ لن تمرّ إلاّ به، فبشار الأسد قبل حلب شيء وبعد حلب شيء آخر، ذلك ان النصر المبين في حلب استراتيجيّ بامتياز، واستراتيجيته ليست محصورة بسوريا بقدر ما متسعة إلى المنطقة كلّها وتحوي في طياتها معالم ورؤى تتصل بحلّ القضيّة الفلسطينيّة وبخاصة الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، وهذا سيستكمل في حسم درعا على الحدود السوريّة-الأردنيّة.

أمّا على المستوى اللبنانيّ، لقد أزهرت النتائج بأنّ نتيجة المعركة في حلب كانت أساسيّة وجوهريّة في استكمال عناصر التسويّة، وفي ظنّ كثيرين لن تتجه نحو كمالها إلاّ حين يناقش قانون للانتخابات يعبّر عن رؤية جديدة للبنان جديد كامل الأوصاف قلبها النسبيّة، ويتعنون جزء جوهريّ منها بالمناصفة. ما يهمّ في حقيقة الأمر بأنّ من عددًا ممن ساهموا بوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة صاروا جزءًا من الحكومة وهذا جوهريّ بطبيعته، لكونه يسبغ مناعة واضحة في معالجة ملفات عديدة، ومن هؤلاء الوزيران سليم جريصاتي ويعقوب الصراف وآخرون. غير أن الفلسفة الحقيقيّة ومنذ أكثر من ست سنوات، انطلقت من فكر قاده وبثّه إيلي الفرزلي، وشكّل وعاء كبيرًا ومضيئًا في اكتمال عناصر تلك التسوية ضمن طبقتين مترابطتين بحسب مصادر مسيحية:

1-طبقة مسيحيّة مسيحيّة عبّر عنها بورقة التفاهم، ويذكر كثيرون أنّه زار الدكتور سمير جعجع وكان إلى جانبه الوزير جبران باسيل، لتجذير العلاقة بين القوات والتيار لتصبّ في دعم مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الانتخابيّ، وكادت أن تثمر باتجاه وصوله، لكنّها أثمرت اكثر باتجاه دعم العماد ميشال عون ووصوله إلى رئاسة الجمهوريّة.

2-طبقة مسيحيّة-إسلاميّة عبر عنها بالفلسفة الميثاقيّة وفيها تمّ الكلام على تلاقي الوجدانات الطائفيّة في إنتاج التسوية الرئاسيّة وقد تمت، وفي إنتاج حكومة تحمل الجوهر عينه، للوصول نحو قانون يترجم النسبية دعمًا للعهد.

وتؤكد المصادر ان الفرزلي، ما سعى إلى هذه الرؤية ولا إلى تجسيدها من أجل ذاته، وهو في حقيقة الأمر لم يطلب لنفسه شيئًا، بل على العكس رجا بفعل هذا النضال وحدة مسيحيّة تنهض المسيحيين من تلاشيهم وازدراء بقيّة الطوائف بهم واستيلادهم على ما قال في كنفهم، دافع عن مظلوميتهم بشراسة مطلقة مرتكزًا على قاعدة اساسيّة تقول بأنّ الموارنة هم عصب الوجود المسيحيّ، ولا تبنى الوحدة المسيحيّة ولا الفلسفة الميثاقيّة إلاّ بهذا العصب وهو العمود الفقريّ للبنان المسيحيّ-الإسلاميّ.

وليلة التأليف تؤكد المصادر بأن اسم إيلي الفرزلي كان من بين الأسماء التي دونها رئيس الجمهوريّة من حصته، المقربون منه فرحوا لأنهم يعرفون بأنّ الرئيس رجل الوفاء، وللأمانة وبحسب المصادر كان مصرًّا حتى اللحظة الأخيرة على تسميته. وتعتقد تلك المصادر بأنّ اعتراضًا برز من الرئيس نبيه برّي على تسميته إلى جانب الرئيس سعد الحريري الذي لم يكن متحمّسًا للتسمية، وتقول المصادر بانّ رئيس الجمهوريّة كان بين خيارين، إمّا أن يعترض ويعيد الجميع إلى المربّع الأوّل، أو أن يضحي بصديقه الفرزلي حتى تتسهل التسوية وتنطلق الحكومة؟ علمًا بأنّ رئيس الجمهوريّة يعرف بان الفرزلي ممتعض وله الحقّ في الامتعاض، وهو لن يتخّلى لحظة واحدة عنه، فالمحبة أقوى من العوامل المفرقة، وسيلقى كلّ الدعم من قبل الرئيس في أي موقع كان.

وفي الحتام يبقى أن فلسفة إيلي الفرزلي تضيف المصادر، مع ميشال عون وجبران باسيل وسليم جريصاتي وحبيب أفرام، وقد كان بحكم المؤكّد بأنه سيصل إلى الوزارة ممثلاً للسريان الأرثوذكس، هي التي انتصرت بوصول عون، من دون أن ينسى أحد بان ثمّة نخبة من اللقاءين المسيحيّ والأرثوذكسيّ ساهمت بتبويب هذه الرؤية وبثها بقوالب إعلامية وفكرية وسياسيّة باتت أسسًا عقيدية وغدت محتوى متكاملا لهذا الحكم، وعلى الرغم من ذلك، لقد انتصر إيلي الفرزلي وحبيب أفرام وسليم جريصاتي وجبران باسيل، ومروان أبو فاضل، وعبدالله بو حبيب، وجان عزيز وكل من واكب تلك المرحلة بحسب المصادر، ومع رسوخ الفلسفة الميثاقيّة في بنية الحكم والحكومة انتصر لبنان، ويكفي هذا لأجل الحق والحقيقة ولأجل التاريخ تاريخ لبنان والمشرق العربيّ.